الْمَنْصُورُ بَعِيدٌ جِدًّا، غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، فَحَمْلُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ بِلَا دَلِيلٍ غَلَطٌ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ حَمْلُ الرُّسُلِ عَلَى نَبِيِّنَا وَحْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا أَيْضًا، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى عُمُومِ الْوَعْدِ بِالنَّصْرِ لِجَمِيعِ الرُّسُلِ كَثِيرَةٌ، لَا نِزَاعَ فِيهَا.
الثَّانِي: أَنَّ اللَّه لَمْ يَقْتَصِرْ فِي كِتَابِهِ عَلَى مُطْلَقِ النَّصْرِ الَّذِي هُوَ فِي اللُّغَةِ إِعَانَةُ الْمَظْلُومِ، بَلْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ النَّصْرَ الْمَذْكُورَ لِلرُّسُلِ نَصْرُ غَلَبَةٍ بِقَوْلِهِ: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} ، وَقَدْ رَأَيْتَ مَعْنَى الْغَلَبَةِ فِي الْقُرْآنِ وَمَرَّ عَلَيْكَ أَنَّ اللَّه جَعَلَ الْمَقْتُولَ قِسْمًا مُقَابِلًا لِلْغَالِبِ فِي قَوْلِهِ: {وَمَن يُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ} ، وَصَرَّحَ تَعَالَى بِأَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ رُسُلَهُ لَا يُمْكِنُ تَبْدِيلُهُ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: {وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} ، مِنْ كَلِمَاتِهِ الَّتِي صَرَّحَ بِأَنَّهَا لَا مُبَدِّلَ لَهَا وَقَدْ نَفَى جَلَّ وَعَلَا عَنِ الْمَنْصُورِ أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا نَفْيًا بَاتًّا بِقَوْلِهِ: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} ، وَذَكَرَ مُقَاتِلٌ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ} ، أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَالَ: أَيَظُنُّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْ يَغْلِبُوا الرُّومَ، وَفَارِسَ، كَمَا غَلَبُوا الْعَرَبَ زَاعِمًا أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ لَا يَغْلِبُهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَثْرَتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّه الْآيَةَ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَلَبَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا غَلَبَةٌ بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ السَّبَبِ لَا يُمْكِنُ إِخْرَاجُهَا، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ قَبْلَهُ: {أُوْلَئِكَ فِى الْأَذَلِّينَ} ، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: {إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ} .
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ، أَنَّنَا نَسْتَشْهِدُ لِلْبَيَانِ بِالْقِرَاءَةِ السَبْعِيَّةِ بِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ، فَيَشْهَدُ لِلْبَيَانِ الَّذِي بَيَّنَّا بِهِ، أَنَّ نَائِبَ الْفَاعِلِ رِبِيُّونَ، وَأَنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ غَيْرَ السَّبْعَةِ قَرَأَ قُتِّلَ مَعَهُ رِبِيُّونَ بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّ التَّكْثِيرَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute