يُرِيدُ الذَّهَابَ إِلَيْهَا عَلَى الرِّيحِ، فَقَوْلُهُ: {حَيْثُ أَصَابَ} أَيْ حَيْثُ أَرَادَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَصَابَ الصَّوَابَ، وَأَخْطَأَ الْجَوَابَ: أَيْ أَرَادَ الصَّوَابَ وَأَخْطَأَ الْجَوَابَ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَصَابَ الْكَلَامَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ ... فَأَخْطَأَ الْجَوَابَ لَدَى الْمَفْصِلِ
قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ. وَعَنْ رُؤْبَةَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَصَدَاهُ لِيَسْأَلَاهُ عَنْ مَعْنَى «أَصَابَ» . فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا فَقَالَ: أَيْنَ تُصِيبَانِ؟ فَقَالَا: هَذِهِ طِلْبَتُنَا، وَرَجَعَا.
أَمَّا الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهَا عَاصِفَةٌ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَلَيِّنَةٌ رُخَاءٌ فِي بَعْضِهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، كَأَنْ تَعْصِفَ وَيَشْتَدَّ هُبُوبُهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ حَتَّى تَرْفَعَ الْبِسَاطَ الَّذِي عَلَيْهِ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ، فَإِذَا ارْتَفَعَ سَارَتْ بِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ.
الْجَوَابُ الثَّانِي: هُوَ مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: وُصِفَتْ هَذِهِ الرّيح بالعصف تَارَة بالرخاء أُخْرَى، فَمَا التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْتُ: كَانَتْ فِي نَفْسِهَا رَخِيَّةً طَيِّبَةً كَالنَّسِيمِ، فَإِذَا مَرَّتْ بِكُرْسِيِّهِ أَبْعَدَتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، عَلَى مَا قَالَ {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} . فَكَانَ جَمْعُهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ: أَنْ تَكُونَ رُخَاءً فِي نَفْسِهَا، وَعَاصِفَةً فِي عَمَلِهَا مَعَ طَاعَتِهَا لِسُلَيْمَانَ، وَهُبُوبِهَا عَلَى حَسَبِ مَا يُرِيدُ وَيَحْتَكِمُ. اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي فَهُوَ أَن قَوْله {رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَجْرِي بِأَمْرِهِ حَيْثُ أَرَادَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ. وَقَوْلِهِ {تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا} لِأَنَّ مَسْكَنَهُ فِيهَا وَهِيَ الشَّامُ، فَتَرُدُّهُ إِلَى الشَّامِ. وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: {حَيْثُ أَصَابَ} فِي حَالَةِ الذَّهَابِ. وَقَوْلِهِ: {إِلَى الأَرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا} فِي حَالَةِ الْإِيَابِ إِلَى مَحَلِّ السُّكْنَى. فَانْفَكَّتِ الْجِهَةُ فَزَالَ الْإِشْكَالُ. وَقَدْ قَالَ نَابِغَةُ ذُبْيَانَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute