للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَوِيّاً} أَيْ عَلَامَتُكَ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ، أَيْ أَنْ تُمْنَعَ الْكَلَامَ فَلَا تُطِيقُهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهِنَّ فِي حَالِ كَوْنِكَ سَوِيًّا، أَيْ سَوِيَّ الْخَلْقِ، سَلِيمَ الْجَوَارِحِ، مَا بِكَ خَرَسٌ وَلَا بُكْمٌ وَلَكِنَّكَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى سَبِيلِ خَرْقِ الْعَادَةِ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي «آلِ عِمْرَانَ» . أَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ فَلَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي «آلِ عِمْرَانَ» : {وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِىِّ وَالإِبْكَارِ} . وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى. {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} أَيْ ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَتَابِعَاتٍ غَيْرُ صَوَابٍ، بَلْ مَعْنَاهُ هُوَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ كَوْنِ اعْتِقَالِ لِسَانِهِ عَنْ كَلَامِ قَوْمِهِ لَيْسَ لِعِلَّةٍ وَلَا مَرَضٍ حَدَثَ بِهِ، وَلَكِنْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ تَعَالَى هُنَا «ثَلَاثَ لَيَالٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا أَيَّامَهَا، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ الْأَيَّامَ فِي «آلِ عِمْرَانَ» ، فِي قَوْلِهِ {قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} . فَدَلَّتِ الْآيَتَانِ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُ لَيَالِي بِأَيَّامِهِنَّ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ} يَعْنِي إِلَّا بِالْإِشَارَةِ أَوِ الْكِتَابَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ هُنَا: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً} ، وَقَوْلُهُ فِي «آلِ عِمْرَانَ» : {قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} ؛ لِأَنَّ الرَّمْزَ: الْإِشَارَةُ وَالْإِيمَاءُ بِالشَّفَتَيْنِ وَالْحَاجِبِ، وَالْإِيحَاءُ فِي قَوْله: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ} ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هُوَ الْإِشَارَةُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ «إِلَّا رَمْزًا» كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْوَحْيَ فِي الْآيَةِ الْإِشَارَةُ: قَتَادَةُ، وَالْكَلْبِيُّ، وَابْنُ مُنَبِّهٍ، وَالْعُتْبِيُّ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَالسُّدِّيِّ «فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ» أَيْ كَتَبَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: كَتَبَ لَهُمْ فِي كِتَابٍ.

وَالْوَحْيُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ إِلْقَاءٍ فِي سُرْعَةٍ وَخَفَاءٍ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ عَلَى الْإِلْهَامِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} . وَعَلَى الْإِشَارَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>