للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: الَّذِي يُفْهَمُ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِقَوْلِهِمْ {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} أَيْ مُنْكَرًا عَظِيمًا، لِأَنَّ الْفَرِيَّ فَعِيلٌ مِنَ الْفِرْيَةِ، يَعْنُونَ بِهِ الزِّنَى؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَى كَالشَّيْءِ الْمُفْتَرَى الْمُخْتَلَقِ، لِأَنَّ الزَّانِيَةَ تَدَّعِي إِلْحَاقَهُ بِمَنْ لَيْسَ أَبَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِقَوْلِهِمْ «فَرِيًّا» الزِّنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} لِأَنَّ ذَلِكَ الْبُهْتَانَ الْعَظِيمَ الَّذِي هُوَ ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهَا زَنَتْ، وَجَاءَتْ بِعِيسَى مِنْ ذَلِكَ الزِّنَى (حَاشَاهَا وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ) هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ لَهَا: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} ، وَيدل لذَلِك قَوْله تَعَالَى بعده: {ياأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} وَالْبَغِيُّ الزَّانِيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. يَعْنُونَ كَانَ أَبَوَاكِ عَفِيفَيْنِ لَا يَفْعَلَانِ الْفَاحِشَةَ، فمالك أَنْتِ تَرْتَكِبِينَهَا!! وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الزِّنَى كَالشَّيْءِ الْمُفْتَرَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} أَيْ وَلَا يَأْتِينَ بِوَلَدِ زِنًى يَقْصِدْنَ إِلْحَاقَهُ بِرَجُلٍ لَيْسَ أَبَاهُ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ.

وَكُلُّ عَمَلٍ أَجَادَهُ عَامِلُهُ فَقَدْ فَرَاهُ لُغَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ وَهُوَ زُرَارَة بن صَعب بن دهر:

وَقد أطمعتني دَقْلًا حَوْلِيَّا ... مُسَوَّسًا مُدَوَّدًا حَجَرِيَّا

قَدْ كُنْتِ تَفْرِينَ بِهِ الْفَرِيَّا

يَعْنِي تَعْمَلِينَ بِهِ الْعَمَلَ الْعَظِيم، وَالظَّاهِر أَنه يقْصد أَنَّهَا تَأْكُله أَكْلًا لَمًّا عَظِيمًا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة: {ياأُخْتَ هَارُونَ} لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هَارُونَ بْنَ عِمْرَانَ أَخَا مُوسَى كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ آخَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>