النَّصْبِ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ فَهُوَ بَدَلٌ مِنْ «عِيسَى» أَوْ خَبَرٌ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَـ «قَوْلَ الْحَقِّ» ، هُوَ «عِيسَى» كَمَا سَمَاء اللَّهُ كَلِمَةً فِي قَوْلِهِ: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ} ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ «عِيسَى» كَلِمَةً لِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَدَهُ بِكَلِمَتِهِ الَّتِي هِيَ «كُنْ» فَكَانَ، كَمَا قَالَ: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن} . وَالْقَوْلُ وَالْكَلِمَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنَ التَّفْسِيرِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَقَوْلُهُ: {الَّذِى فِيهِ يَمْتُرُونَ} أَيْ يَشُكُّونَ. فَالِامْتِرَاءُ افْتِعَالٌ مِنَ الْمِرْيَةِ وَهِيَ الشَّكُّ، وَهَذَا الشَّكُّ الَّذِي وَقَعَ لِلْكُفَّارِ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن الْمُمْتَرِينَ} وَهَذَا الْقَوْلُ الْحَقُّ الَّذِي أَوْضَحَ اللَّهُ بِهِ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فِي شَأْنِ عِيسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِهِ عَلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ حَاجَّهُ فِي شَأْنِ عِيسَى إِلَى الْمُبَاهَلَةِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَا قَصَّ عَلَيْهِ مِنْ خَبَرِ عِيسَى هُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} ، وَلما نزلت ودعا للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدَ نَجْرَانَ إِلَى المباهلة خَافُوا الْهَلَاك وأدوا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ لَفْظَ «مَا كَانَ» يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ، فَتَارَةً يَدُلُّ ذَلِكَ النَّفْيُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى عَلَى الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ} .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute