للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والراهب وَالَّذِي كَانَ سَببا فِي إِيمَان قريته بعد أَن أَمر الملكَ أَن يُسَمِّي باسم رب الْغُلَام ويقتله على مشْهد من النَّاس، فَفعل فَقتله؛ فَآمن النَّاس بِرَبّ الْغُلَام - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - ثمَّ قَالَ: [وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْغُلَامَ دُفِنَ فَوُجِدَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَيَدُهُ عَلَى صُدْغِهِ، كُلَّمَا رُفعت خَرَجَ الدَّمُ مِنْ جُرْحِهِ، وَإِذَا تُركت أُعِيدَتْ عَلَى الْجُرْحِ (١) .

وَقَدْ سُقْنَا هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَهِي من أمثل مَا جَاءَ فِي هَذِه الْمَعْنَى لِمَا فِيهَا مِنَ الْعِبَرِ، وَالَّتِي يُمْكِنُ أَن يُسْتَفَاد مِنْهَا بعض الْأَحْكَام ...

السَّادِسَ عَشَرَ: إِبْقَاءُ جِسْمِهِ (٢) حَتَّى زَمَنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنهُ إِكْرَاما لأولِياء اللَّه،


(١) - أخرج هَذِه الزِّيَادَة ابْن إِسْحَاق فِي سيرته (ص/٤٣) ، وَعنهُ ابْن هِشَام فِي سيرته (١/١٥٢) ، والطبري فِي "تَارِيخه" (١/٤٣٦) عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قَالَ: أَنه حُدِّث أَن رجلا من أهل نَجْرَان ... فَذكره. وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف لجَهَالَة شيخ عبد الله بن أبي بكر، وَلم يذكر ابْن إِسْحَاق هَذَا الرجل بل قَالَ نَا عبد الله بن أبي بكر بن حزم قَالَ: نهب رجل بِصَنْعَاء يحْفر خربة فَذكره، وَهَذَا إِسْنَاد مُنْقَطع لِأَن عبد الله يروي هَذِه الْقِصَّة فِي زمن سيدنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ لم يُدْرِكهُ فقد ولد (٦٥ هـ) ، وَقتل سيدنَا عمر - رَضِي الله عَنهُ - (٢٣ هـ) وَمتْن هَذِه الزِّيَادَة فِيهَا نَكَارَة، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا الحَدِيث عَنْهَا - بِمَشِيئَة الله -. وأصل قصَّة هَذَا الْغُلَام بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة أخرجهَا مُسلم (٤/٢٢٩٩) (٣٠٠٥) وَغَيره من حَدِيث صُهَيْب - رَضِي الله عَنهُ -.
(٢) - وَأما مَسْأَلَة عدم أكل الأَرْض لأجساد الشُّهَدَاء فقد تَكَلَّمت عَلَيْهَا فِي شرحي لسنن الدَّارمِيّ (حَدِيث رقم ٤٥) وخلاصة مَا ذكرت هُنَاكَ: أنني لم أَقف على مَا يصلح لتخصيص عُمُوم قَوْله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: " كل ابْن آدم يَأْكُلهُ التُّرَاب إِلَّا عجب الذَّنب مِنْهُ خلق وَفِيه يركب " - مُتَّفق عَلَيْهِ، وَاللَّفْظ لمُسلم - إِلَّا مَا ورد فِيهِ النَّص فِي حق الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - من أَن الله حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أَجْسَادهم الشَّرِيفَة، وَأما مَا نقل عَن شُهَدَاء أحد والغلام عبد الله بن الثَّامِر - على فرض صِحَة أَنه وجد على عهد سيدنَا عمر - رَضِي الله عَنهُ - على حَالَته - فَهَذِهِ حالات خَاصَّة لَا تصلح لعُمُوم التَّخْصِيص فِي حق أمثالهم من عُمُوم الشُّهَدَاء، فقد تَأْكُل الأَرْض أَجْسَادهم وَلَكِن بعد فَتْرَة أطول من غَيرهم، وَقد يكون هَذَا خَاصّا بِمن قتل مَعَ النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - دون غَيرهم من الشُّهَدَاء، أَو أَنه يكون قد كشف للنَّاس عَنْهُم كآية من الله للنَّاس، وَيحْتَمل أَن تكون طبيعة الأَرْض الَّتِي وضعُوا فِيهَا تمنع التعفن فَلَا يدود المقبور فِيهَا، وكل هَذَا مُحْتَمل، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>