وَهِيَ دَقِيقٌ مَلْتُوتٌ بِسَمْنٍ، عَلَى أَشْهَرِ التَّفْسِيرَاتِ.
ثمَّ ذكر جلّ وَعلا ب أَنَّهُ يَجْعَلُهَا هَبَاءً وَسَرَابًا. قَالَ: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً} ، وَقَالَ: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} .
وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ السَّرَابَ عِبَارَةٌ عَنْ لَا شَيْءَ. وَهُوَ قَوْلُهُ {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} إِلَى قَوْلِهِ {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} .
وَقَوْلُهُ: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} قَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو «تُسَيَّرُ الْجِبَالُ» بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةُ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُشَدّدَة من قَوْله «تسير» مُبينًا لِلْمَفْعُولِ. وَ {الْجِبَالُ} بِالرَّفْعِ نَائِبُ فَاعِلِ {تُسَيَّرُ} وَالْفَاعِلُ الْمَحْذُوفُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا. وَقَرَأَهُ بَاقِي السَّبْعَةِ «نُسَيِّرُ» بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَ «الْجِبَالَ» مَنْصُوبٌ مفعول بِهِ، وَالنُّون فِي قَوْله «نسير» التَّعْظِيم.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} الْبُرُوزُ: الظُّهُورُ. أَيْ تَرَى الْأَرْضَ ظَاهِرَةً مُنْكَشِفَةً لِذَهَابِ الْجِبَالِ وَالظِّرَابِ وَالْآكَامِ، وَالشَّجَرِ وَالْعِمَارَاتِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا. وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا بَيَّنَهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْألُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} . وَأَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ رَاجِعَةٌ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهَا أَرْضٌ مُسْتَوِيَةٌ لَا نَبَاتَ فِيهَا، وَلَا بِنَاءَ وَلَا ارْتِفَاعَ وَلَا انْحِدَارَ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَى {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} أَيْ بَارِزًا مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا مِنَ الْأَمْوَاتِ وَالْكُنُوزِ بَعِيدٌ جِدًّا كَمَا تَرَى. وَبُرُوزُ مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ الْأَمْوَاتِ وَالْكُنُوزِ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرَ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِى الصُّدُورِ} ، وَقَوْلِهِ: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} ، وَقَوله: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} .] (١) .
(١) - ٤/١٢٠: ١٢٢، الْكَهْف / ٤٧، وَأنْظر أَيْضا: (٤/٥٥٦ - ٥٥٧) (طه / ١٠٥) ، (٧/٧٦٤ - ٧٦٦) (الْوَاقِعَة / ٤: ٦) ، (٨/٤٥٨) (المعارج / ٨، ٩) ، (٩/٤٦٠) (القارعة / ٥) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute