للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَذَلِكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ» إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.

فَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ كَمَا رَأَيْتَ، فِيهِ التَّصْرِيحُ مِنَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي تَضَعُ فِيهِ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، بَعْدَ الْقِيَامِ مِنَ الْقُبُورِ كَمَا تَرَى، وَذَلِكَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا النَّصُّ فِيهِ إِشْكَالٌ، لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنَ الْقُبُورِ لَا تَحْمِلُ الْإِنَاثُ، حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا مِنَ الْفَزَعِ، وَلَا تُرْضِعَ، حَتَّى تَذْهَلَ عَمَّا أَرْضَعَتْ.

فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْ أَنَّ مَنْ مَاتَتْ حَامِلًا تُبْعَثُ حَامِلًا، فَتَضَعُ حَمْلَهَا مِنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ وَالْفَزَعِ، وَمَنْ مَاتَتْ مُرْضِعَةً بُعِثَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ.

تَنْبِيهٌ

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا بَعْضَهَا يَرِدُ عَلَيْهِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِذَا كَانَتِ الزَّلْزَلَةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنَ الْقُبُورِ، فَمَا مَعْنَاهَا؟

وَالْجَوَابُ: أَنَّ مَعْنَاهَا: شِدَّةُ الْخَوْفِ، وَالْهَوْلِ، وَالْفَزَعِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى زِلْزَالًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَا وَقَعَ بِالْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ مِنَ الْخَوْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>