للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: {بِإِمَامِهِمْ} أَيْ بِكِتَابِهِمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِمْ مِنَ التَّشْرِيعِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ: ابْنُ زَيْدٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} أَيْ نَدْعُو كُلَّ قَوْمٍ بِمَنْ يَأْتَمُّونَ بِهِ، فَأَهْلُ الْإِيمَانِ أَئِمَّتُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، وَأَهْلُ الْكُفْرِ أَئِمَّتُهُمْ سَادَتُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَفَرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} ، وَهَذَا الْأَخِيرُ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

فَقَدْ رَأَيْتَ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَمَا يَشْهَدُ لَهَا مِنْ قُرْآنٍ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا: {فَمَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} مِنَ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى تَرْجِيحِ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كِتَابُ الْأَعْمَالِ.

وَذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ كِتَابَهُمْ بأيمانهم يقرؤونه وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا.

وَقَدْ أَوْضَحَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ} إِلَى قَوْلِهِ {وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يالَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَة.

وَقَول من قَالَ: إِن المُرَاد «بِإِمَامِهِمْ» كَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ «أُمَّهَاتُهُمْ» أَيْ يُقَالُ: يَا فلَان بن فُلَانَةٍ قَوْلٌ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «يُرْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَيُقَالُ هَذِه غدرة فلَان بن فلَان» (١) .] (٢) .


(١) - أخرجه البُخَارِيّ (٥/٢٢٨٥) (٥٨٢٣) ، وَمُسلم (٣/١٣٥٩) (١٧٣٥) .
(٢) - ٣/٥٦٠: ٥٦٢، بني إِسْرَائِيل /٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>