بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) قَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ، وَأَنَّهُمْ كَافِرُونَ بِالْآخِرَةِ، وَقَدْ تَوَعَّدَهُمْ بِالْوَيْلِ عَلَى شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ بِالْآخِرَةِ، وَعَدَمِ إِيتَائِهِمُ الزَّكَاةَ، سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ الزَّكَاةَ فِي الْآيَةِ هِيَ زَكَاةُ الْمَالِ الْمَعْرُوفَةُ، أَوْ زَكَاةُ الْأَبْدَانِ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي، وَرَجَّحَ بَعْضُهُمُ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ لِأَنَّ سُورَةَ فُصِّلَتْ هَذِهِ، مِنَ الْقُرْآنِ النَّازِلِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَزَكَاةُ الْمَالِ الْمَعْرُوفَةُ إِنَّمَا فُرِضَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ سنة اثْنَتَيْنِ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى خِطَابِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ، أَعْنِي امْتِثَالَ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابَ نَوَاهِيهِ، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ كَوْنِهِمْ مُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ وَأَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَى الْكُفْرِ، وَيُعَذَّبُونَ عَلَى الْمَعَاصِي، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُمْ مُقَرِّرًا لَهُ: (مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الُخَآئِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) فَصَرَّحَ تَعَالَى عَنْهُمْ، مُقَرِّرًا لَهُ أَنَّ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي سَلَكَتْهُمْ فِي سَقَرَ، أَيْ أَدْخَلَتْهُمُ النَّارَ، عَدَمُ الصَّلَاةِ، وَعَدَمُ إِطْعَامِ الْمِسْكِينِ، وَعْدَّ ذَلِكَ مَعَ الْكُفْرِ بِسَبَبِ التَّكْذِيبِ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ) ثُمَّ بَيَّنَ سَبَبَ ذَلِكَ فَقَالَ: (إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ) إِلَى غَيْرِ ذَلِك من الْآيَات] (١) .
(١) - ٧/١١٤ - ١١٥، فصلت / ٦، ٧، وَانْظُر: (٤/١٢٩، الْكَهْف / ٤٩) ، (٥/٧٢، الْحَج /٢٧) ، (٨/٤٤٥، ٤٤٦، الحاقة/٣٣: ٣٤) ، (٨/٦٢٦، ٦٢٧، المدثر/٤٢: ٤٧) ، (٨/٦٩٢، المرسلات /٤٩) . -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute