يَفْعَلُ فِي مُلْكِهِ مَا يُرِيدُ.
ثُمَّ قَالَ: {هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} . ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهَا قَوْله تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ} .
فَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَلْقُ الْإِنْسَانِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْبَعْثِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الأولى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} . وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} ، وَلِذَا جَاءَ عَقِبَهَا قَوْلُهُ: {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} .
أَيْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْبَعْثِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ لَكُمْ آيَاتِ قُدْرَتِهِ عَلَى بَعْثِكُمْ، مِنْ ذَلِكَ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِنْ ذَلِكَ خَلْقُكُمْ وَتَصْوِيرُكُمْ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، فَكَأَنَّ مُوجِبَ ذَلِكَ الْإِيمَانُ بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى بَعْثِكُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبِالتَّالِي إِيمَانُكُمْ بِمَا بَعْدَ الْبَعْثِ، مِنْ حِسَابٍ وَجَزَاءٍ وَجَنَّةٍ وَنَارٍ، وَلَكِنْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ.
وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ: وَبَيَانِ أَحْوَالِهِمْ جَاءَ تَفْنِيدُ زَعْمِ الْكُفَّارِ بِالْبَعْثِ وَالْإِقْسَامُ عَلَى وُقُوعِهِ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} . لِأَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا التَّوْجِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} .
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute