بِالشِّرْكِ فِي زَعْمِهِمْ.
قَالُوا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ، لَصَرَفَنَا عَنْهُ، فَتَكْذِيبُ اللَّهِ لَهُم فِي الْآيَات الْمَذْكُورَة فنصب عَلَى دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ رَاضٍ بِهِ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا يُكَذِّبُ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي قَوْلِهِ {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} .
فَالْكُفَّارُ زَعَمُوا أَنَّ الْإِرَادَةَ الْكَوْنِيَّةَ الْقَدَرِيَّةَ، تَسْتَلْزِمُ الرِّضَى وَهُوَ زَعْمٌ بَاطِلٌ، وَهُوَ الَّذِي كَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِيهِ من الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ.
وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى هَذِهِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ، حَيْثُ قَالَ فِي آيَةِ الزُّخْرُفِ: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} أَيْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّا رضوَان مِنْهُمْ بِذَلِكَ الْكُفْرِ، ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ هَذَا إِضْرَابَ إِبْطَالٍ مُبَيِّنًا أَنَّ مُسْتَنَدَهُمْ فِي تِلْكَ الدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ هُوَ تَقْلِيدُ آبَائِهِمُ التَّقْلِيدَ الْأَعْمَى، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أَيْ شَرِيعَةٍ وَمِلَّةٍ وَهِيَ الْكُفْرُ وَعِبَادَةُ الْأَوْثَانِ {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} .
فَقَوله عَنْهُم مهتدون هُوَ مَصَبُّ التَّكْذِيبِ، لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا يَرْضَى بِالِاهْتِدَاءِ لَا بِالضَّلَالِ.
فَالِاهْتِدَاءُ الْمَزْعُومُ أَسَاسُهُ تَقْلِيدُ الْآبَاءِ الْأَعْمَى، وَسَيَأْتِي إِيضَاحُ رَدِّهِ عَلَيْهِمْ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ النَّحْلِ بَعْدَ ذِكْرِهِ دَعْوَاهُمُ الْمَذْكُورَةَ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} .
فَأَوْضَحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِكُفْرِهِمْ، وَأَنَّهُ بَعَثَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا، وَأَمَرَهُمْ عَلَى لِسَانِهِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَيَجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ أَيْ يَتَبَاعَدُوا عَنْ عِبَادَةِ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ.
وَأَنَّ اللَّهَ هَدَى بَعْضَهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَأَنْ بَعْضَهُمْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute