لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ بِهِ غَيْرَهُ فِي عِبَادَتِهِ.
فَالْمُرَادُ بِإِيمَانِهِمُ اعْتِرَافُهُمْ بِأَنَّهُ رَبهم الَّذِي هُوَ خالقهم ومدبر شؤونهم، وَالْمُرَادُ بِشِرْكِهِمْ عِبَادَتُهُمْ غَيْرَهُ مَعَهُ، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ جِدًّا، كَقَوْلِهِ: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) ، وَكَقَوْلِهِ: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) ، وَقَوْلِهِ: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) ، وَقَوْلِهِ: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) ، وَقَوْلِهِ: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) ، وَقَوْلِهِ: (قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ الهاً وَاحِداً إِنَّ هَاذَا لَشَىْءٌ عُجَابٌ) .
وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ لَا يُنْقِذُ مِنَ الْكُفْرِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَعَهُ تَوْحِيدُ الْعِبَادَةِ، أَيْ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ) ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِشْكَالٌ: وَهُوَ أَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ أَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ لِعَامِلِهَا وَصْفٌ لِصَاحِبِهَا وَعَلَيْهِ؛ فَإِنَّ عَامِلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ الَّذِي هُوَ يُؤمن مُقَيّد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute