الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: تَصْحِيحُ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ مَفْسَدَةٌ، لِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِيَانَةِ فِي الْوِلَايَةِ، لَكِنَّهَا صَحَّحْنَاهَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ الْفَاسِقِ وَالْحَاكِمِ الْفَاسِقِ؛ لِمَا فِي إبْطَالِ وِلَايَتِهِمَا مِنْ تَفْوِيتِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَنَحْنُ لَا نُنَفِّذُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ إلَّا مَا يُنَفَّذُ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَئِمَّةِ الْمُقْسِطِينَ وَالْحُكَّامِ الْعَادِلِينَ، فَلَا نُبْطِلُ تَصَرُّفَهُ فِي الْمَصَالِحِ لِأَجْلِ تَصَرُّفِهِ فِي الْمَفَاسِدِ، إذْ لَا يُتْرَكُ الْحَقُّ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْبَاطِلِ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ فِي ذَلِكَ أَنَّا نُصَحِّحُ تَصَرُّفَهُمْ الْمُوَافِقَ لِلْحَقِّ مَعَ عَدَمِ وِلَايَتِهِمْ لِضَرُورَةِ الرَّعِيَّةِ، كَمَا نُصَحِّحُ تَصَرُّفَاتِ إمَامِ الْبُغَاةِ مَعَ عَدَمِ أَمَانَتِهِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَالضَّرُورَةُ فِي خُصُوصِ تَصَرُّفَاتِهِ، فَلَا نَحْكُمُ بِصِحَّةِ الْوِلَايَةِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ فَإِنَّ وِلَايَتَهُ قَائِمَةٌ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى الْأَئِمَّةِ.
الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: تَوَلِّي الْآحَادِ لِمَا يَخْتَصُّ بِالْأَئِمَّةِ مَفْسَدَةٌ، لَكِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا يَضَعُ الْحَقَّ فِي غَيْرِ مُسْتَحَقِّهِ، فَيَجُوزُ لِمَنْ ظَفِرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مُسْتَحَقِّيهِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْحَقِّ الَّذِي لَوْ دُفِعَ إلَى الْإِمَامِ الْجَائِرِ لَضَاعَ، وَلَكَانَ دَفْعُهُ إلَيْهِ إعَانَةً عَلَى الْعِصْيَانِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] .
الْمِثَالُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: نِكَاحُ الْأَحْرَارِ الْإِمَاءَ مَفْسَدَةٌ مُحَرَّمَةٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْأَوْلَادِ لِلْإِرْقَاقِ، لَكِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ خَوْفِ الْعَنَتِ وَفَقْدِ الطَّوْلِ، دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ وُقُوعِ التَّائِقِ فِي الزِّنَا الْمُوجِبِ فِي الدُّنْيَا لِلْعَارِ وَفِي الْآخِرَةِ لِعَذَابِ النَّارِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُحَرَّمُ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةٍ نَاجِزَةٍ مُحَقِّقَةٍ لِتَوَقُّعِ مَفْسَدَةٍ مُمْهَلَةٍ؟ قُلْنَا لَمَّا غَلَبَ وُقُوعُ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ جَعَلَ الشَّرْعُ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْعُلُوقَ غَالِبُ كَثِيرٍ، وَالشَّرْعُ قَدْ يَحْتَاطُ لِمَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ احْتِيَاطُهُ لِمَا تَحَقَّقَ وُقُوعُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute