[فَصْلٌ فِي تَصَرُّفِ الْوُلَاةِ وَنُوَّابِهِمْ]
ْ يَتَصَرَّفُ الْوُلَاةُ وَنُوَّابُهُمْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ بِمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ دَرْءًا لِلضَّرَرِ وَالْفَسَادِ، وَجَلْبًا لِلنَّفْعِ وَالرَّشَادِ، وَلَا يَقْتَصِرُ أَحَدُهُمْ عَلَى الصَّلَاحِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلَحِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَلَا يَتَخَيَّرُونَ فِي التَّصَرُّفِ حَسَبَ تَخَيُّرِهِمْ فِي حُقُوقِ أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ أَنْ يَبِيعُوا دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ، أَوْ مَكِيلَةَ زَبِيبٍ بِمِثْلِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: ١٥٢] ، وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي حُقُوقِ الْيَتَامَى فَأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ فِي حُقُوقِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ أَوْفَرُ وَأَكْثَرُ مِنْ
اعْتِنَائِهِ بِالْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ
، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ جَرَّ فَسَادًا أَوْ دَفَعَ صَلَاحًا فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ
كَإِضَاعَةِ الْمَالِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ، وَإِضْرَارِ الْأَمْزِجَةِ لِغَيْرِ عَائِدَةٍ
، وَالْأَكْلُ عَلَى الشِّبَعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ الْأَمْوَالِ، وَإِفْسَادِ الْأَمْزِجَةِ، وَقَدْ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الْأَرْوَاحِ، وَلَوْ وَقَعَتْ مِثْلَ قِصَّةِ الْخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي زَمَانِنَا هَذَا لَجَازَ تَعْيِيبُ الْمَالِ حِفْظًا لِأَصْلِهِ وَلَأَوْجَبَتْ الْوِلَايَةُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ حِفْظًا لِلْأَكْثَرِ بِتَفْوِيتِ الْأَقَلِّ فَإِنَّ الشَّرْعَ يُحَصِّلُ الْأَصْلَحَ
بِتَفْوِيتِ الْمَصَالِحِ
، كَمَا يَدْرَأُ الْأَفْسَدَ بِارْتِكَابِ الْمَفَاسِدِ، وَمَا لَا فَسَادَ فِيهِ وَلَا صَلَاحَ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْوُلَاةُ عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إذَا أَمْكَنَ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ.
(فَوَائِدُ) الْأُولَى: الْعَدَالَةُ شَرْطٌ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ لِتَكُونَ الْعَدَالَةُ وَازِعَةً عَنْ التَّقْصِيرِ فِي
جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ
، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبَعِيَّ يَزَعُ عَنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ.
وَلَمْ تُشْتَرَطُ الْوِلَايَةُ فِي قَبُولِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَزَعُ عَنْ الْكَذِبِ فِيمَا يَضُرُّ بِنَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، وَالْوَازِعُ الطَّبِيعِيُّ أَقْوَى مِنْ الْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute