[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ ظَاهِرَيْنِ]
قَدْ يَتَعَارَضُ ظَاهِرَانِ، وَيَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِمَا وَلِذَلِكَ مِثَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الِاشْتِرَاكَ فِي الْجَمِيعِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسَوِّي بَيْنَهُمَا نَظَرًا إلَى الظَّاهِرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْيَدِ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَلِيقُ بِهِ نَظَرًا إلَى الظَّاهِرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ، فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ جُنْدِيًّا فَادَّعَى أَنَّهُ شَرِيكُ الْمَرْأَةِ فِي مَغَازِلِهَا وَحِقَاقِهَا وَمَقَانِعِهَا، وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا شَرِيكَتُهُ فِي خَيْلِهِ وَسِلَاحِهِ وَأَقْبِيَتِهِ وَمَنَاطِقِهِ وَجُبَّتِهِ وَخُوذَتِهِ وَبَرْدِيَّتِهِ فَإِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا ظَنًّا لَا يُمْكِنُنَا دَفْعُهُ أَنَّ مَا يَخْتَصُّ بِالْأَجْنَادِ لِلزَّوْجِ، وَمَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ لِلْمَرْأَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ فَقِيهًا فَنَازَعَتْهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، أَوْ مُقْرِئًا فَنَازَعَتْهُ فِي كُتُبِ الْقِرَاءَةِ، أَوْ طَبِيبًا فَنَازَعَتْهُ فِي كُتُبِ الطِّبِّ، أَوْ مُحَدِّثًا فَنَازَعَتْهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، أَوْ حَجَّامًا فَنَازَعَتْهُ فِي آلَةِ الْحِجَامَةِ، أَوْ نَسَّاجًا فَنَازَعَتْهُ فِي آلَةِ النَّسْجِ، أَوْ بَيْطَارًا فَنَازَعَتْهُ فِي آلَةِ الْبَيْطَرَةِ، وَنَازَعَهَا هَؤُلَاءِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ مِنْ الْمَكَاحِلِ وَالْمُغَازَلِ وَالْحِقَاقِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ ظَنًّا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّ مَا يَخْتَصُّ بِالْأَزْوَاجِ الْمَذْكُورِينَ لَهُمْ، وَمَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ لَهُنَّ، وَمَا أَبْعَدَ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَ الْجُنْدِيِّ وَامْرَأَتِهِ فِي حَقَّيْهِمَا.
الْمِثَالُ الثَّانِي: إذَا تَأَمَّلَ النَّاسُ الْهِلَالَ فَشَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ عَدْلَانِ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَتَفَوَّهْ غَيْرُهُمَا بِرُؤْيَتِهِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، فَسَمِعَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَهَادَتَهُمَا وَظُهُورَ صِدْقِهِمَا بِمَا ثَبَتَ مِنْ عَدَالَتِهِمَا الْوَازِعَةِ عَنْ الْكَذِبِ، وَرَأَى بَعْضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute