مِثَالُهُ: إذَا جَعَلْنَا الثُّبُوتَ نَقْلًا لِلشَّهَادَةِ فَإِنَّا نُقِيمُ قَوْلَ الْحَاكِمِ " ثَبَتَ عِنْدِي " مَقَامَ قَوْلِ شُهُودِ الْوَاقِعَةِ.
[فَائِدَةٌ ادَّعَى رَجُلٌ رِقَّ إنْسَانٍ يَسْتَسْخِرُهُ وَيَنْطَاعُ انْطِيَاعَ الْعَبْدِ]
(فَائِدَةٌ) إذَا ادَّعَى رَجُلٌ رِقَّ إنْسَانٍ يَسْتَسْخِرُهُ اسْتِسْخَارَ الْعَبْدِ وَيَنْطَاعُ انْطِيَاعَ الْعَبْدِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا كَانَ بَالِغًا، وَإِنْ صَغِيرًا فَقَدْ جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ كَالثُّبُوتِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّبَاتِ الْمِلْكُ، وَالْأَصْلَ وَالْغَالِبَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَلَبَةَ الدَّالَيْنِ عَلَى حُرِّيَّتِهِ لَا يُعَارِضُهُمَا مُجَرَّدُ الِاسْتِسْخَارِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُرَجَّحَ عَلَيْهِمَا، وَهِيَ مَوْجُودَانِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وُجُودُهُمَا فِي حَقِّ الْبَالِغِ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي؛ لِرُجْحَانِ جَانِبِ الصِّبَا بِالْأَصْلِ وَالْغَلَبَةِ عَلَى مُجَرَّدِ اسْتِسْخَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ اسْتِسْخَارٌ لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِجَعْلِ الصَّبِيِّ كَالثَّوْبِ، إذْ لَا مُعَارِضَ لِرُجْحَانِ جَانِبِهِ بِالْأَصْلِ وَالْغَلَبَةِ، فَكَيْفَ نَحْكُمُ لَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ مَعَ رُجْحَانِ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ وَجْهَيْنِ لَا مُعَارِضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ ،.
وَالْعَجَبُ مِمَّنْ لَا يَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعَ الرُّجْحَانِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ مَنْ جَعَلَهُ كَالثَّوْبِ يَحْتَجُّ بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ، فَإِذَا صَارَ قَوْلُهُ مُعْتَبَرًا فَكَيْفَ نَجْزِمُ بِرِقِّهِ مَعَ ظُهُورِ صِدْقِهِ وَكَذِبِ غَرِيمِهِ فِي دَعْوَاهُ، وَهَذَا مِمَّا لَا أَتَوَقَّفُ فِيهِ، وَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ، وَكَذَلِكَ إقَامَةُ قَوْلِ الْحَاكِمِ وَحْدَهُ مَقَامَ قَوْلِ شَاهِدَيْنِ، بَلْ مَقَامَ قَوْلِ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ، وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةً إجْمَاعِيَّةً، فَإِنَّ مَنْ جَعَلَ الثُّبُوتَ حُكْمًا نَفَّذَ قَوْلَ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْإِنْشَاءِ قَدَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ وَمَالِكٌ يَخْتَلِفُ فِي إقْرَارِ الْحَاكِمِ إذَا مَنَعَ الْقَضَاءَ بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ مَوْجُودَةٌ فِي قَوْلِهِ حَكَمْتُ مِثْلَهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إنْشَاءَ تَصَرُّفٍ فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ، وَيَمْلِكُ الْمُجْبَرُ الْإِقْرَارَ بِهِ وَيَمْلِكُ الْمُجْبَرُ بِتَزْوِيجِ الْمُجْبَرَةِ لِظُهُورِ صِدْقِهِ وَلِتَعَلُّقِ حَقِّهِ؛ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْأَخِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي النِّكَاحِ.
وَلَوْ مَلَكَ إنْشَاءً تَصَرُّفٍ بِالتَّوْكِيلِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ فِي إنْشَائِهِ فِيهِ خِلَافٌ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْإِنْشَاءِ وَلَيْسَ الْحَقُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute