للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاتِلِ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ غَيْرِ الْقَاتِلِ لِعِلْمِهِ بِكَذِبِ الْمُقِرِّ وَالْبَيِّنَةِ، فَلَوْ حَكَمَ بِذَلِكَ لَكَانَ حُكْمًا بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، بَلْ هُوَ أَقْبَحُ مِنْ الْحُكْمِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَا حَكَمَ بِهِ حَقًّا مُوَافِقًا لِلْبَاطِلِ.

وَأَمَّا هَاهُنَا فَإِنَّهُ ظَالِمٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ.

[فَائِدَةٌ إذَا زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ شَهِدَتْ بِحَقٍّ آخَرَ]

(فَائِدَةٌ) : إذَا زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ شَهِدَتْ بِحَقٍّ آخَرَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ إذَا قَرُبَ الزَّمَانُ اسْتِصْحَابًا لِعَدَالَتِهِمْ، وَإِنْ بَعُدَ الزَّمَانُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعَدَالَةِ، وَكَمَا يُحْكَمُ بِبَقَاءِ عَدَالَةِ الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ وَالْإِمَامِ عِنْدَ طُولِ الزَّمَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْبَلُهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْإِنْسَانِ تَغَيُّرُ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا مُطَرَّدٌ فِي الْعُدُولِ الْمُرَتَّبِينَ عِنْدَ الْحُكَّامِ، وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ فِي الْأَوْصِيَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ مِنْ تَعْطِيلِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إعَادَةِ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ اعْتِبَارِهِ ضَرَرٌ عَامٌّ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا فِي طُولِ الزَّمَانِ فَقَدَّرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَقَدَّرَهُ آخَرُونَ بِمُدَّةٍ تَتَغَيَّرُ فِيهَا الْأَحْوَالُ فِي الْغَالِبِ، وَهَذَا أَقْرَبُ.

[فَائِدَةٌ لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ]

(فَائِدَةٌ) لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ؛ لِأَنَّ الثِّقَةَ حَاصِلَةٌ بِشَهَادَتِهِمْ حُصُولُهَا بِشَهَادَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَمَدَارُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ عَلَى الثِّقَةِ بِالصِّدْقِ وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ تَحَقُّقُهُ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ لَا يَكْفُرُونَ بِبِدَعِهِمْ، وَكَذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَنَفِيِّ إذَا حَدَدْنَاهُ فِي شُرْبِ النَّبِيذِ؛ لِأَنَّ الثِّقَةَ بِقَوْلِهِمْ لَمْ تَنْخَرِمْ بِشُرْبِهِ لِاعْتِقَادِهِ إبَاحَتَهُ، وَإِنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَةُ الْخَطَّابِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِنَاءً عَلَى إخْبَارِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِشَهَادَتِهِمْ لِاحْتِمَالِ بِنَائِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>