وَلَا تَصْفِيقٌ، وَلَا يَصْدُرُ التَّصْفِيقُ وَالرَّقْصُ إلَّا مِنْ غَبِيٍّ جَاهِلٍ، وَلَا يَصْدُرَانِ مِنْ عَاقِلٍ فَاضِلٍ، وَيَدُلُّ عَلَى جَهَالَةِ فَاعِلِهِمَا أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَرِدْ بِهِمَا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدُ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا مُعْتَبَرٌ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْجَهَلَةُ السُّفَهَاءُ الَّذِينَ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِمْ الْحَقَائِقُ بِالْأَهْوَاءِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: ٨٩] وَقَدْ مَضَى السَّلَفُ وَأَفَاضِلُ الْخَلَفِ وَلَمْ يُلَابِسُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ غَرَضٌ مِنْ أَغْرَاضِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ إلَى رَبِّهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَا فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا لِكَوْنِهِ قُرْبَةً فَبِئْسَ مَا صَنَعَ لِإِيهَامِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ الطَّاعَاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَقْبَحِ الرَّعُونَاتِ.
وَأَمَّا الصِّيَاحُ وَالتَّغَاشِي وَالتَّبَاكِي تَصَنُّعًا وَرِيَاءً فَإِنْ كَانَ حَالٌ لَا تَقْتَضِيهِ فَقَدْ أَثِمَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إيهَامُهُ الْحَالَ التَّامَّةَ الْمُوجِبَةَ لِذَلِكَ.
وَالثَّانِي: تَصَنُّعُهُ بِهِ وَرِيَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ حَالٍ تَقْتَضِيهِ أَثِمَ إثْمَ رِيَائِهِ لَا غَيْرَ، وَكَذَلِكَ نَتْفُ الشُّعُورِ وَضَرْبُ الصُّدُورِ، وَتَمْزِيقُ الثِّيَابِ مُحَرَّمٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَأَيُّ ثَمَرَةٍ لِضَرْبِ الصُّدُورِ وَنَتْفِ الشُّعُورِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ إلَّا رَعُونَاتٌ صَادِرَةٌ عَنْ النُّفُوسِ.
[فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السَّمَاعُ الْمَحْمُودُ إلَّا عِنْدَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ]
(فَائِدَةٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السَّمَاعُ الْمَحْمُودُ إلَّا عِنْدَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ حَالَ يَخْتَصُّ بِهَا، فَمَنْ ذَكَرَ صِفَةَ الرَّحْمَةِ أَوْ ذُكِّرَ بِهَا كَانَتْ حَالُهُ حَالَةَ الرَّاجِينَ، وَسَمَاعُهُ سَمَاعَ الرَّاجِينَ، وَمَنْ ذَكَرَ شِدَّةَ النِّقْمَةِ أَوْ ذُكِّرَ بِهَا كَانَتْ حَالُهُ حَالَ الْخَائِفِينَ، وَسَمَاعُهُ سَمَاعَ الْخَائِفِينَ، وَمَنْ حَالُهُ حَالُ الْمَحَبَّةِ إذَا ذَكَرَ حَالَ الْمَحْبُوبِ أَوْ ذُكِّرَ بِهِ كَانَتْ حَالُهُ حَالَ الْمُحِبِّينَ، وَسَمَاعُهُ سَمَاعَ الْمُحِبِّينَ، وَمَنْ كَانَتْ حَالُهُ حَالَ الْمُعَظِّمِينَ الْهَائِبِينَ فَذَكَرَ الْعَظَمَةَ أَوْ ذُكِّرَ بِهَا كَانَتْ حَالُهُ حَالَ الْمُعَظِّمِينَ، وَسَمَاعُهُ سَمَاعَ الْهَائِبِينَ الْمُعَظِّمِينَ، وَمَنْ كَانَتْ حَالُهُ حَالَ التَّوَكُّلِ فَذَكَرَ تَفَرُّدَ الرَّبِّ بِالضُّرِّ وَالنَّفْعِ، وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ، وَالتَّقَرُّبِ وَالْإِبْعَادِ، وَالْإِشْقَاءِ وَالْإِسْعَادِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَوْ ذُكِّرَ بِهِ فِي السَّمَاعِ كَانَتْ حَالُهُ حَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute