وَأَمَّا مَصَالِحُ الدُّنْيَا فَمَا تَدْعُ إلَيْهِ الضَّرُورِيَّاتُ أَوْ الْحَاجَاتُ وَالتَّتِمَّاتُ وَالتَّكْمِلَاتُ.
وَأَمَّا مَفَاسِدُهَا فَفَوَاتُ ذَلِكَ بِالْحُصُولِ عَلَى أَضْدَادِهِ، وَيُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْمَصَالِحِ الْعَاجِلَةِ، وَقَدْ نَدَبَ الرَّبُّ إلَى الْإِكْثَارِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى قَدْرِ الِاسْتِطَاعَاتِ، وَنَدَبَ إلَى الِاقْتِصَارِ فِي الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ عَلَى مَا تَمَسُّ إلَيْهِ الضَّرُورَاتُ وَالْحَاجَاتُ، فَرَغَّبَ الْأَغْنِيَاءَ الْأَشْقِيَاءَ فِي تَكْثِيرِ مَا أَمَرَ بِتَقْلِيلِهِ وَفِي تَقْلِيلِ مَا أَمَرَ بِتَكْثِيرِهِ فَسَخِطَ عَلَيْهِمْ وَأَشْقَاهُمْ، وَأَبْعَدَهُمْ وَأَقْصَاهُمْ وَقَدْ قَالَ فِي أَكْثَرِهِمْ: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأعلى: ١٦] {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: ١٧] وَرَغَّبَ الْأَنْبِيَاءَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْكَفَافِ مِنْ الْأَعْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَفِي الْإِكْثَارِ مِنْ التَّسَبُّبِ فِي الْمَصَالِحِ الْأُخْرَوِيَّةِ، فَقَرَّبَهُمْ الرَّبُّ إلَيْهِ وَأَزْلَفَهُمْ لَدَيْهِ فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، وَأَسْعَدَهُمْ وَتَوَلَّاهُمْ، فَيَا شِقْوَةَ مَنْ آثَرَ الْخَسِيسَ الْفَانِيَ عَلَى النَّفِيسِ الْبَاقِي، وَيَا غِبْطَةَ مَنْ أَرْضَى مَوْلَاهُ وَآثَرَ أُخْرَاهُ عَلَى أُولَاهُ فَلِمِثْلِ ذَلِكَ فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ، وَفِيهِ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ.
[فَائِدَةٌ التَّكَالِيفُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ]
(فَائِدَةٌ) التَّكَالِيفُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ عِبَادَةِ الْكُلِّ، وَلَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ الطَّائِعِينَ، وَلَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ الْعَاصِينَ بَلْ لَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَبْلُغُوا ضُرَّهُ فَيَضُرُّوهُ وَلَا نَفْعَهُ فَيَنْفَعُوهُ، وَكُلٌّ ضَالٌّ إلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ، وَجَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ، وَعَارٍ إلَّا مَنْ كَسَاهُ، وَإِنَّمَا سَبَقَ عِلْمُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِتَرْتِيبِ بَعْضِ الْحَادِثَاتِ عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمُهَا مُوجِبًا لِمُؤَخَّرِهَا وَلَا مُنْشِئًا لَهُ بَلْ هُوَ الْمُتَّحِدُ بِتَرْتِيبِ الْمُسَبِّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا، وَبِالْعُقُوبَاتِ عَلَى الْمُخَالَفَاتِ، وَبِالْمَثُوبَاتِ عَلَى الطَّاعَاتِ مِنْ غَيْر أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute