للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَلَى الظُّنُونِ]

ِ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ صِدْقَ الظُّنُونِ بُنِيَتْ عَلَيْهَا مَصَالِحُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ كَذِبَهَا نَادِرٌ وَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ مَصَالِحَ صِدْقُهَا الْغَالِبُ خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ مَفَاسِدَ كَذِبُهَا النَّادِرُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَصَالِحَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الظُّنُونِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِكُلِّ ظَنٍّ، وَالظُّنُونُ الْمُعْتَبَرَةُ أَقْسَامٌ.

أَحَدُهَا: ظَنٌّ فِي أَدْنَى الرُّتَبِ.

وَالثَّانِي: ظَنٌّ فِي أَعْلَاهَا، وَالثَّالِثُ ظُنُونٌ مُتَوَسِّطَاتٌ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ ثَبُتَتْ أَحْكَامُ الشَّرْعِ بِالظُّنُونِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَلَمْ ثَبُتَتْ الْحُقُوقُ عِنْدَ الْحُكَّامِ بِمِثْلِ ذَلِكَ؟ بَلْ شُرِطَ فِي أَكْثَرِهَا الْعَدَدُ وَالذُّكُورَةُ وَجُعِلَتْ فِي رُتَبٍ مُتَفَاوِتَةٍ فَأَعْلَاهَا مَا شُرِطَ فِيهِ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ وَأَدْنَاهَا مَا شُرِطَ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ كَالشَّهَادَةِ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ وَفَوْقَهُ؟ وَمَنْ ادَّعَى بِحَدِّ الْقَذْفِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ النُّكُولُ كَيْ لَا يَكُونَ عَوْنًا عَلَى جَلْدِهِ، وَإِسْقَاطِ عَدَالَتِهِ، وَالْعَزْلِ عَنْ وِلَايَتِهِ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهَا.

وَمَنْ ادَّعَى عَلَى الْوَلِيِّ الْمُجْبَرِ أَنَّهُ زَوَّجَ ابْنَتَهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ النُّكُولُ كَيْ لَا يَكُونَ عَوْنًا عَلَى تَسْلِيمِ ابْنَتِهِ إلَى مَنْ يَزْنِي بِهَا، وَكَذَلِكَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ حَيْثُ تُشْرَعُ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ لَا يَجُوزُ لَهُ النُّكُولُ كَيْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ عَوْنًا عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ظُلْمًا، وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ إذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ كَاذِبًا وَلَا يَحِلُّ لَهَا النُّكُولُ عَنْ اللِّعَانِ، كَيْ لَا يَكُونَ عَوْنًا عَلَى جَلْدِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>