بِقَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: ٢٠] وَالْغَرَضُ بِالْقِسْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ إنَّمَا هِيَ دَفْعُ الْحَاجَاتِ وَالضَّرُورَاتِ فَسَوَّى بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا قِيَامُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِالْمَصَالِحِ بِالْإِعْفَافِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ وَبِقَضَاءِ الْأَوْطَارِ وَبِسُكُونِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ، وَعَوْدَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَبِرَحْمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا حَتَّى يَصِيرَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ كَالْحَمِيمِ الشَّفِيقِ، أَوْ الْأَخِ الشَّقِيقِ، يُفْضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ بِمَا لَا يُقْضَى بِهِ إلَى وَلَدٍ وَلَا وَالِدٍ وَلَا صَدِيقٍ، وَكَذَلِكَ بِمَا يَجِبُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ الْمَآكِلِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ، وَمَا يَجِبُ لِلرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ لُزُومِ الْبُيُوتِ وَالطَّوَاعِيَةِ إذَا دَعَاهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، وَنَقْلِهَا إلَى أَيِّ الْبِلَادِ شَاءَ، وَإِلَى أَيِّ الْأَوْطَانِ أَرَادَ، وَتَوْرِيثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَبِمَا يُنْدَبُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَائِدٌ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا انْتِفَاعُ الرَّقِيقِ بِالسَّادَاتِ فَبِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَسَاكِنِ.
وَأَمَّا انْتِفَاعُ السَّادَاتِ بِالرَّقِيقِ فَبِخِدْمَتِهِمْ فِي كُلِّ مَا أَوْجَبَ الشَّرْعُ خِدْمَتَهُمْ فِيهِ، وَيَزِيدُ الْإِنَاثُ عَلَى ذَلِكَ بِالِاسْتِمْتَاعِ وَالِانْتِفَاعِ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ]
اعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَحْسَنَ إلَيْهِ وَفَّقَهُ لِطَاعَتِهِ وَنَيْلِ مَثُوبَتِهِ، وَمَنْ خَذَلَهُ أَبْعَدَهُ بِمَعْصِيَتِهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَمَصَالِحُ الْآخِرَةِ الْحُصُولُ عَلَى الثَّوَابِ، وَالنَّجَاةُ مِنْ الْعِقَابِ، وَمَفَاسِدُهَا الْحُصُولُ عَلَى الْعِقَابِ وَفَوَاتُ الثَّوَابِ، وَيُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْمَصَالِحِ الْآجِلَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا إجْلَالُ الْإِلَهِ وَتَعْظِيمُهُ وَمَهَابَتُهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهِ. وَكَفَى بِمَعْرِفَتِهِ وَمَعْرِفَةِ صِفَاتِهِ شَرَفًا، وَالْآخِرَةُ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ ثَوَابٍ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا عَدَا النَّظَرَ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute