وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رُتَبٌ عَالِيَةٌ، وَرُتَبٌ دَانِيَةٌ، وَرُتَبٌ مُتَوَسِّطَةٌ.
فَإِنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى أَدْنَاهُنَّ، إذْ لَا ضَبْطَ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا، فَإِذَا وَصَفَ الْجَارِيَةَ بِإِشْرَاقِ اللَّوْنِ، أَوْ بِالْكُحْلِ، أَوْ بِالْبَيَاضِ حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ رُتَبِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصِّفَاتِ، فَهَلَّا قُلْتُمْ بِالْحَمْلِ هَهُنَا عَلَى أَدْنَى رُتَبِ الْمَشَاقِّ لِعُسْرِ ضَبْطِ رُتَبِ الْمَشَاقِّ الزَّائِدَةِ عَلَى أَدْنَاهُنَّ؟ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ تَفْوِيتُ مَصَالِحِ الْعِبَادَاتِ مَعَ عِظَمِهَا وَشَرَفِهَا بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَشَاقِّ مَعَ خِفَّتِهَا وَسُهُولَةِ تَحَمُّلِهَا، بَلْ تَحَمُّلُ هَذِهِ الْمَشَاقِّ لَا وَزْنَ لَهُ فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ مَصَالِحَ الْعِبَادَاتِ بَاقِيَةٌ أَبَدَ الْآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ مَعَ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا مِنْ رِضَا رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلِذَلِكَ كَانَ اجْتِنَابُ التَّرَخُّصِ فِي مُعْظَمِ هَذِهِ الْمَشَاقِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الْمَشَاقِّ فِيهَا أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ تَعَاطِيهِ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَضْلِ تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ؛ لِأَجْلِ اللَّه.
وَإِنَّمَا حَمَلْنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ عَلَى الْأَقَلِّ تَحْصِيلًا لِمَقَاصِدِ الْمُعَامَلَاتِ وَمَصَالِحِهَا، فَإِنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْأَعْلَى يُؤَدِّي فِي السَّلَمِ إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ، وَهِيَ مُبْطِلَةٌ لِلسَّلَمِ، وَالْحَمْلُ فِي الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْبُيُوعِ عَلَى الْأَعْلَى يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ، وَالْحَمْلُ عَلَى مَا بَيْنَهُمَا لَا ضَابِطَ لَهُ، وَلَا وُقُوفَ عَلَيْهِ؛ فَتَعَذَّرَ تَجْوِيزُهُ؛ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]
الْمَصَالِحُ الَّتِي أَمَرَ الشَّرْعُ بِتَحْصِيلِهَا ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَصَالِحُ الْإِيجَابِ.
وَالثَّانِي: مَصَالِحُ النَّدْبِ.
وَالْمَفَاسِدُ الَّتِي أَمَرَ الشَّرْعُ بِدَرْئِهَا ضَرْبَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute