للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِثَالُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» حَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْفُتْيَا لِأَنَّهُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ، وَقَالَ يَكْفِي فِي ذَلِكَ إذْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِمَّا يُحْمَلُ عَلَى غَالِبِ التَّصَرُّفِ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْوَلِيِّ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، إذَا اشْتَرَوْا شَيْئًا بِثَمَنِ مِثْلِهِ مِمَّا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلْمَوْلَى عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَقَعُ لَهُمْ، لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ التَّصَرُّفُ لِأَنْفُسِهِمْ فَقُصِرَ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَنْوُوا بِهِ مَنْ تَحْتَ وِلَايَتِهِمْ، وَإِنْ اشْتَرَوْهُ مُطْلَقًا بِعَيْنِ مَالِ الْمَوْلَى عَلَيْهِمْ تَعَيَّنَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِمْ إذْ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ.

(قَاعِدَةٌ) كُلُّ تَصَرُّفٍ تَقَاعَدَ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ حُرٍّ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ، وَلَا نِكَاحُ مَحْرَمٍ، وَلَا مُحْرِمٍ، وَلَا إجَارَةَ عَلَى عَمَلٍ مُحَرَّمٍ، فَإِنْ شُرِطَ نَفْيُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ صَحَّ عَلَى قَوْلٍ مُخْتَارٍ لِأَنَّ لُزُومَهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالْخِيَارُ دَخِيلٌ عَلَيْهِ.

[قَاعِدَةٌ فِي اخْتِلَافِ أَحْكَامِ التَّصَرُّفَاتِ لِاخْتِلَافِ مَصَالِحِهَا]

اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا يُحَصِّلُ مَقَاصِدَهُ وَيُوَفِّرُ مَصَالِحَهُ؛ فَشَرَعَ فِي بَابِ مَا يُحَصِّلُ مَصَالِحَهُ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ، فَإِنْ عَمَّتْ الْمَصْلَحَةُ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ شُرِعَتْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ، وَإِنْ اخْتَصَّتْ بِبَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ شُرِعَتْ فِيمَا اخْتَصَّتْ بِهِ دُونَ مَا لَمْ تَخْتَصَّ بِهِ، بَلْ قَدْ يُشْتَرَطُ فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ مَا يَكُونُ مُبْطَلًا فِي غَيْرِهِ نَظَرًا إلَى مَصْلَحَةِ الْبَابَيْنِ، كَمَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْصَاءُ أَوْصَافِ الْمَحْكُومِ لَهُ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى عِزَّةِ وُجُودِهِ الْمُشَارِكِ فِي تِلْكَ الْأَوْصَافِ، كَيْ لَا يَقَعَ الْحُكْمُ عَلَى مُبْهَمٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>