للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ لَأَفْسَدَهُ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ إلَى تَعَذُّرِ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ، وَلِذَلِكَ شُرِطَ التَّوْقِيتُ فِي الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ، وَلَوْ وَقَعَ التَّوْقِيتُ فِي النِّكَاحِ لَأَفْسَدَهُ لِمُنَافَاتِهِ لِمَقْصُودِهِ، وَكَذَلِكَ شُرِطَ فِي الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ عَلَى الْمَنَافِعِ أَنْ يَكُونَ أَجَلُهَا مَعْلُومًا وَجُعِلَ أَجَلُ النِّكَاحِ مُقَدَّرًا لِعُمُرِ أَقْصَرِ الزَّوْجَيْنِ عُمُرًا.

فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ الْمَعْدُومِ وَإِجَارَتِهِ وَهِبَتِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَجَوَّزَ عُقُودَ الْمَنَافِعِ مَعَ عَدَمِهَا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا حَالَ الْعَقْدِ، وَلَا تَحْصُلُ مَنَافِعُهَا إلَّا كَذَلِكَ وَقَدْ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجَارَةَ الْمَنَافِعِ بِالْمَنَافِعِ، وَإِنْ كَانَتَا مَعْدُومَتَيْنِ، كَمَا جَوَّزَتْ الشَّرِيعَةُ عَقْدَ النِّكَاحِ بِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ مَنْفَعَةِ التَّعْلِيمِ بِمَنْفَعَةِ الْبُضْعِ، وَالتَّقْدِيرُ زَوَّجْتُكهَا بِتَعْلِيمِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ بِتَلْقِينِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، وَكَمَا أَنْكَحَ شُعَيْبٌ ابْنَتَهُ مِنْ مُوسَى بِرَعْيِ عَشْرِ حِجَجٍ مُقَابِلَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ بِالرَّعْيِ، كَمَا قَابَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَافِعَ الْبُضْعِ بِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ.

وَكَذَلِكَ جَوَّزَ الشَّرْعُ الْقِرَاضَ عَلَى عَمَلٍ مَعْدُومٍ مَجْهُولٍ وَجُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ مَعْدُومٌ مَجْهُولٌ، إذْ لَا تَحْصُلُ فَائِدَةُ الْقِرَاضِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَمَصْلَحَتُهُ غَالِبًا إلَّا كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ شَرَطَ فِي ذَلِكَ غَلَبَةَ الْوُجُودِ فِي الْعِوَضَيْنِ كَمَا شُرِطَ فِي الْإِجَارَةِ، وَكَذَلِكَ جُوِّزَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى ثَمَرٍ مَجْهُولٍ مَعْدُومٍ، وَعَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ مَعْدُومٍ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَى جَهَالَةِ الْعَمَلِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَإِذْ لَا حَاجَةَ إلَى جَهْلِ الْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي عِوَضِ الْمُسَاقَاةِ غَلَبَةُ الْوُجُودِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي عَمَلِ الْجَعَالَةِ لِتَعَذُّرِهِ. وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً جَازَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِانْتِفَاءِ الْغَرْسِ وَمُوَافَقَةِ ذَلِكَ لِقَوَاعِد الْعُقُودِ.

وَنَظِيرُ تَجْوِيزِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى ثِمَارٍ مَجْهُولَةٍ مَعْدُومَةٍ بِأَعْمَالٍ مَعْلُومَةٍ: الْإِجَارَةُ عَلَى الرَّضَاعِ؛ فَإِنَّ اللَّبَنَ فِيهِ مَعْدُومٌ مَجْهُولٌ كَالثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>