للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأُجْرَةُ فِي ذَلِكَ مَعْلُومَةٌ إذْ لَا حَاجَةَ أَنْ تَكُونَ مَجْهُولَةً كَمَا فِي عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ، وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ شَرَطَ الْحَضَانَةَ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى الرَّضَاعِ لِيَكُونَ الرَّضَاعُ تَابِعًا كَمَا يَتْبَعُ الْمَاءُ الْإِجَارَةَ عَلَى الْمُزَارَعَةِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنْ الرَّضَاعِ إنَّمَا هُوَ اللَّبَنُ دُونَ الْحَضَانَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَلَّقَ إيتَاءَ الْأُجْرَةِ عَلَى مُجَرَّدِ الرَّضَاعِ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] .

وَكَذَلِكَ دُخُولُ مِيَاهِ الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى زَرْعِ الْحُبُوبِ أَوْ غَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْمِيَاهِ الْمَذْكُورَةِ فِي إجَارَةِ الْأَرْحِيَةِ وَالدِّيَارِ، إذْ لَا يَتِمُّ مَقَاصِدُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ إلَّا بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ فِي الدِّيَارِ يُكْمِلُ الِانْتِفَاعَ وَفِي الْأَرْحِيَةِ وَالْمَزَارِعِ وَالْمَغَارِسِ مُحَصِّلٌ لِأُصَلِّ الِانْتِفَاعِ.

وَكَذَلِكَ جُوِّزَتْ الْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ مَعَ عَمَلٍ مَجْهُولٍ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ رَدِّ الضَّائِعِ لَا تَحْصُلُ فِي الْغَالِبِ إلَّا كَذَلِكَ، وَشُرِطَ فِي الْجُعَلِ مَا شُرِطَ فِي الْأُجْرَةِ إذْ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ فِيهِ إلَّا مَسْأَلَةُ الْعِلْجِ وَهُوَ الْكَافِرُ الْغَلِيظُ الشَّدِيدُ إذَا دَلَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَوْرَاتِ حُصُونِ الْمُشْرِكِينَ يُجْعَلُ مِنْ مَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ مَجْهُولٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلَا مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ لِمَاسِّ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي إقَامَةِ مَصَالِحِ الْجَهَالَةِ.

وَكَذَلِكَ شُرِطَتْ الرُّؤْيَةُ فِي الْمَبِيعِ وَالْمَأْجُورِ وَالْمَوْهُوبِ دَفْعًا لِلْغَرَرِ، وَلَمْ تُشْتَرَطْ فِي النِّكَاحِ مَعَ أَنَّ جَمَالَ الْمَرْأَةِ مِنْ أَكْمَلِ الْمَقَاصِدِ لِمَا فِي اشْتِرَاطِهَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى النِّسَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَإِرْغَامِ أَنْفِ النَّخْوَةِ وَالْحَيَاءِ.

وَمَنْ أَجَازَ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ خَيَّرَهُ إذَا رَأَى الْمَبِيعَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ وَلَا يَجْرِي مِثْلُهُ فِي النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ عَلَى النِّسَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الْمَرْأَةِ كَمَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الْمَبِيعِ الْغَائِبِ لِمَا فِي وَصْفِهَا مَنٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>