لِحِيَازَةِ الْمَصَالِحِ بِالْفِعْلِ وَلِاجْتِنَابِ الْمَفَاسِدِ بِالتَّرْكِ، وَقَلِيلٌ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ الْقَلِيلِ بِالْمَعْدُومِ.
فَمِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مَا يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ، وَمِنْهَا مَا يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهِ خَاصَّةُ الْخَاصَّةِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى الْخَفِيِّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ بِنُورٍ يَقْذِفُهُ فِي قَلْبِهِ، وَهَذَا جَارٍ فِي مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ وَمَفَاسِدِهِمَا، وَفِي مِثْلِهِ طَالَ الْخِلَافُ وَالنِّزَاعُ بَيْنَ النَّاسِ فِي عُلُومِ الشَّرَائِعِ وَالطَّبَائِعِ، وَتَدْبِيرِ الْمَسَالِكِ وَالْمَهَالِكِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالنِّيَّاتِ وَجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ، وَلِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ نَصْبِ الْخَلِيفَتَيْنِ لِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ الِاخْتِلَافَاتِ فِي الْمَصَالِحِ وَالْأَصْلَحِ وَالْمَفَاسِدِ وَالْأَفْسَدِ، لِأَنَّهُ لَوْ جَوَّزَ نَصْبَهُمَا لَتَعَطَّلَ تَحْصِيلُ مَا خَفِيَ مِنْ الْمَصَالِحِ وَاجْتِنَابِ مَا خَفِيَ مِنْ الْمَفَاسِدِ، وَكَذَلِكَ تَرْجِيحُ الْخَفِيِّ.
وَأَمَّا نَصْبُ الْقَضَاءِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ فَيَجُوزُ لِأَنَّ مَصَالِحَ الْقَضَاءِ خَاصَّةٌ، وَمَصَالِحَ الْخِلَافَةِ عَامَّةً، وَيَتَعَذَّرُ نَصْبُ قَاضٍ وَاحِدٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ وَلَا شَكَّ أَنَّ نَصْبَ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ مِنْ الْوَسَائِلِ إلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ.
وَأَمَّا نَصْبُ أَعْوَانِ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ فَمِنْ وَسَائِلِ الْوَسَائِلِ.
وَكَذَلِكَ الرَّسَائِلُ الْإِلَهِيَّةُ وَسَائِلُ إلَى تَحْصِيلِ مَقَاصِدِ الشَّرَائِعِ وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ الْوَسَائِلِ وَكَذَلِكَ تَحَمُّلُ الشَّهَادَاتِ وَسِيلَةٌ إلَى أَدَائِهَا، وَأَدَاؤُهَا وَسِيلَةٌ إلَى الْحُكْمِ بِهَا وَالْحُكْمُ بِهَا وَسِيلَةٌ إلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ.
[فَصْلٌ فِيمَا يَخْفَى مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مِنْ غَيْرِ تَعَبُّدٍ]
الْأَفْعَالُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَا خَفِيَتْ عَنَّا مَصَالِحُهُ وَمَفَاسِدُهُ فَلَا نُقْدِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَظْهَرَ مَصْلَحَتُهُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْمَفْسَدَةِ أَوْ الرَّاجِحَةُ عَلَيْهَا، وَهَذَا الَّذِي جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ بِمَدْحِ الْأَنَاةِ فِيهِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ رُشْدُهُ وَصَلَاحُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute