للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَقْصِدْ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا نَطَقَ الْعَرَبِيُّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي بِلَفْظٍ أَعْجَمِيٍّ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ. فَإِنَّ الْإِرَادَةَ لَا تَتَوَجَّهُ إلَّا إلَى مَعْلُومٍ أَوْ مَظْنُونٍ، وَإِنْ قَصَدَ الْعَرَبِيُّ بِنُطْقِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِمَعَانِيهَا نَفَذَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ مَعَانِيهَا مِثْلَ أَنْ قَالَ الْعَرَبِيُّ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ وَهِيَ حَامِلٌ بِمَعْنَى اللَّفْظَيْنِ، أَوْ نَطَقَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ الرَّجْعَةِ أَوْ النِّكَاحِ أَوْ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ مَعَ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَا شُعُورَ لَهُ بِمَدْلُولِهِ حَتَّى يَقْصِدُ إلَى اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، وَكَثِيرًا مَا يُخَالِعُ الْجُهَّالُ مِنْ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ مَدْلُولَ اللَّفْظِ لِلْخُلْعِ وَيَحْكُمُونَ بِصِحَّتِهِ لِلْجَهْلِ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ.

[فَائِدَةٌ اللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ فِي اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ]

(فَائِدَةٌ) اللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ فِي اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِ الشَّرْعِ أَوْ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْخَفِيِّ مَا لَا يُقْصَدُ أَوْ يُقْتَرَنُ بِهِ دَلِيلٌ، فَمَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ عِنْدَ النُّعْمَانِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَا سِيَّمَا فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْجُهَّالِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ كَلَامَ النَّفْسِ وَلَا يَخْطِرُ لَهُمْ بِبَالٍ، وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي قَوْلِهِمَا بَعْدُ وَلَا سِيَّمَا فِيمَنْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ لَا يَخْطِرُ بِبَالِهِ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَلَا التَّجَوُّزُ بِالْمُصْحَفِ عَنْهُ بَلْ الْحَلِفُ بِهِ كَالْحَلِفِ بِالْكَعْبَةِ.

[فَائِدَةٌ تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ عَلَى الْمَشِيئَةِ]

(فَائِدَةٌ) تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ عَلَى الْمَشِيئَةِ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْزِمَ بِمَا عَلَّقَهُ تَعَلُّقَ مَا جَزَمَ بِهِ عَلَى الْمَشِيئَةِ فَهَذَا مُفَوَّضٌ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ فِيمَا جَزَمَ بِهِ، فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِهِ وَلَمْ يَشُكَّ، وَإِنَّمَا اعْتَرَفَ بِأَنَّ مَا جَزَمَ بِهِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَهَذَا التَّصَرُّفُ نَافِذٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَجْزِمَ بِالتَّصَرُّفِ بَلْ يُعَلِّقُهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ مُتَرَدِّدًا فِي إيقَاعِهِ وَتَحَقُّقِهِ فَهَذَا تَصَرُّفٌ غَيْرُ نَافِذٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمُ وَلَمْ يَقْصِدْ إلَيْهِ، فَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>