الْقُرُبَاتِ وَسِيلَةٌ إلَى مَصَالِحِ الْمَبْذُولِ لَهُ الْعَاجِلَةِ، وَإِلَى مَصَالِحِ الْبَاذِلِ الْآجِلَةِ، وَإِنَّمَا فُضِّلَ الذِّكْرُ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَوَسِيلَةٌ إلَى حُصُولِ الْأَحْوَالِ النَّاشِئَةِ عَنْهُ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْهَا الِاسْتِقَامَةُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ.
وَأَفْضَلُ الْأَذْكَارِ مَا صَدَرَ عَنْ اسْتِحْضَارِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ، وَدُونَهُمَا ذِكْرُ الْإِنْعَامِ وَالْإِفْضَالِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْحُبِّ وَالشُّكْرِ، وَذِكْرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ اللَّذَيْنِ هُمَا وَسِيلَتَانِ إلَى تَرْكِ الْعِصْيَانِ لَيْسَا بِمَقْصُودَيْنِ إلَّا لِلْحَثِّ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْإِيمَانِ، وَذِكْرُ الْجِنَانِ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللِّسَانِ لِأَنَّهُ مَنْشَأُ الْأَحْوَالِ، وَقَدْ يَحْضُرُ ذِكْرُ الصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَحْوَالِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَلَا تَكَلُّفِ اسْتِحْضَارٍ، وَذَلِكَ غَالِبٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَغَلَبَتُهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَكْثَرُ مِنْهَا عَلَى الْأَوْلِيَاءِ، وَلَمَّا عَسُرَ ذَلِكَ فِي حَقِّ عَامَّةِ الْخَلْقِ سَقَطَ عَنْهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَفِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ لَمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ وَلَا أُجِيبَتْ دَعَوَاتُهُمْ،
وَلَمَّا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ أَعْظَمَ الْمَصَالِحِ اقْتَضَى عِظَمَ مَصَالِحِهِ
أَنْ يَجِبَ، لَكِنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَى أَعْظَمِ الْخَلْقِ سَقَطَ رِفْقًا بِهِمْ وَرَحْمَةً.
وَأَمَّا مَنْ قَدَرَ وَتَمَكَّنَ مِنْهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ تَحْصِيلًا لِمَصَالِحِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ غَيْرِهِ.
[فَائِدَةٌ الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُخْتَرَعَةِ]
(فَائِدَةٌ) الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُخْتَرَعَةِ، وَكَذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الدَّعَوَاتِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْرُوعَةِ أَوْلَى مِنْ الدَّعَوَاتِ الْمَجْمُوعَاتِ وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً.
وَكَذَلِكَ التَّعْبِيرُ عَنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ بِمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْكَلِمَاتِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ بِالْمُرَاجَعَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ الْبَيَانَ، وَكَذَلِكَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْإِلَهِ مِنْ الْمُرَادِفَاتِ إلَّا مَا أَطْلَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْصَى فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ.
وَكَذَلِكَ لَا يُعَبَّرُ عَنْ طَاعَاتِهِ وَعِبَادَاتِهِ إلَّا بِمَا سَمَّاهَا بِهِ: كَالْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْجُمُعَاتِ، وَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالِاعْتِكَافُ، وَكَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute