أَجْرَاهَا اللَّهُ فِي أَرْوَاحِ بَنِي آدَمَ فَيَبْقَى ذَلِكَ الْجَسَدُ حَيًّا لَا يُنْقِصُ مَعَارِفَهُ وَلَا طَاعَتَهُ شَيْءٌ، وَيَكُونُ انْتِقَالُ رُوحِهِ إلَى الْجَسَدِ الثَّانِي كَانْتِقَالِ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ إلَى أَجْوَافِ الطُّيُورِ الْخُضْرِ، تَأْكُلُ تِلْكَ الطُّيُورِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَتَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْأَرْوَاحُ بَاقِيَةٌ فِي الْقُبُورِ، وَلِذَلِكَ سَلَّمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِمْ وَأَمَرَنَا بِالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: «سَلَامٌ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ» وَأَهْلُ الدَّارِ فِي عُرْفِ النَّاسِ مَنْ سَكَنَ الدَّارَ أَوْ كَانَ بِفِنَائِهَا، وَقَدْ أَمَرَنَا بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ فِي الْقُبُورِ دُونَ أَفْنِيَتِهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمُؤْمِنِ: «وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَيُمْلَأُ عَلَيْهِ خَضِرًا إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» وَقِيلَ إنَّ الْأَنْبِيَاءَ تُرْفَعُ أَجْسَادُهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ أَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ بِبِئْرٍ بِالْيَمَنِ وَظَاهِرُ السُّنَّةِ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِالتَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْت اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْمَوْتَى فِي قُبُورِهِمْ» وَالْأَرْوَاحُ كُلُّهَا تَنْتَقِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى أَجْسَادٍ غَيْرِ أَجْسَادِهَا، لِأَنَّ ضِرْسَ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَغِلَظَ جَسَدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَقْعَدَهُ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَأَجْسَادُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى هَيْئَةِ جَسَدِ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ
(فَمَا الدِّيَارُ الدِّيَارُ وَلَا الْخِيَامُ الْخِيَامُ)
[فَائِدَةٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ النُّبُوَّةُ أَمْ الْإِرْسَالُ]
(فَائِدَةٌ) إنْ قِيلَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ النُّبُوَّةُ أَمْ الْإِرْسَالُ؟ فَنَقُولُ النُّبُوَّةُ أَفْضَلُ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ إخْبَارٌ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ مِنْ صِفَاتِ الْجَمَالِ وَنُعُوتِ الْكَمَالِ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ مِنْ طَرَفَيْهَا، وَالْإِرْسَالُ دُونَهَا، أَمْرٌ بِالْإِبْلَاغِ إلَى الْعِبَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute