وَالِابْتِذَالُ وَالِامْتِهَانُ مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا مَنْ يُشَاهِدُهَا وَيُخْبِرُهُ بِأَوْصَافِهَا.
وَقَدْ نَدَبَ الشَّارِعُ الْخَاطِبَ إلَى رُؤْيَتِهَا لِيَعْلَمَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَرْغَبُ فِي النِّكَاحِ وَيَكُونُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ الْإِحْجَامِ أَوْ الْإِقْدَامِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ ذَلِكَ لِيَرْجُوَ رَجَاءً ظَاهِرًا أَنْ يُجَابَ إلَى خِطْبَتِهِ دُونَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُجَابُ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُجَابُ، وَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَفِي هَذَا احْتِمَالٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّظَرَ لَا يُحْمَلُ إلَّا عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِالسَّبَبِ الْمُجَوِّزِ، وَإِنْ عَجَزَ الرُّؤْيَةَ أَرْسَلَ إلَيْهَا مَنْ يُشَاهِدُهَا وَيُقَدِّمُ الرُّؤْيَةَ وَالْإِرْسَالَ عَلَى الْخِطْبَةِ، كَيْ لَا يُشَاهِدَهَا بَعْدَ الْخِطْبَةِ فَلَا تُعْجِبُهُ فَيَتْرُكُهَا وَيَكْسِرُهَا وَيَكْسِرُ أَوْلِيَاءَهَا بِزُهْدِهِ فِيهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يُشْرَطْ الذَّوْقُ فِي الْمَذُوقَاتِ مَعَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا، وَهَلَّا شُرِطَ اخْتِبَارُ الدَّوَابِّ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِالرُّكُوبِ وَالتَّسْيِيرِ.
قُلْنَا لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْأَوْصَافِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْمَبِيعِ وَالْمَأْجُورِ تَدُلُّ عَلَى مَا يُظَنُّ مِنْ أَوْصَافِهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً، فَاكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا ظَهَرَ عَنْ مَعْرِفَةِ مَا بَطَنَ، وَلَوْ شُرِطَ ذَوْقُ الْمَطْعُومِ لِتَلَفِ أَكْثَرِهِ بِذَوْقِ الذَّائِقِينَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَذُوقُهُ فَلَا يُعْجِبُهُ، أَوْ يَذُوقُهُ الْتِذَاذًا بِطَعْمِهِ مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ فِي شِرَائِهِ.
وَكَذَلِكَ
شُرِعَ فِي الْوَقْفِ مَا يَتِمُّ مَصَالِحُهُ
كَتَمْلِيكِ الْمَعْدُومِ مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْغَلَّاتِ لِمَوْجُودٍ مِنْهُمْ: كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْحُجَّاجِ وَالْغُزَاةِ، وَلِمَعْدُومٍ مِنْهُمْ: كَالْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ الْأَوْلَادِ وَكَالْوَقْفِ عَلَى مَنْ سَيُوجَدُ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ الْجَارِيَةِ إلَى يَوْمِ الْمَعَادِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَذَلِكَ إخْرَاجُ الْمَنَافِعِ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ: كَالْوَقْفِ عَلَى بِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَصَالِحِهِمَا، وَإِنَّمَا خُولِفَتْ الْقَوَاعِدُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَنَافِعُ وَالْغَلَّاتُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الدِّينِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute