للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا عَظُمَتْ مُصْلِحَةٌ خُولِفَتْ الْقَوَاعِدُ فِي أَمْرِهِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَتِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ الْوَصَايَا خُولِفَتْ فِيهَا الْقَوَاعِدُ تَحْصِيلًا لِمَصَالِحِهَا نَظَرًا إلَى الْأَمْوَاتِ إذَا انْقَطَعَتْ حَسَنَاتُهُمْ لِافْتِقَارِهِمْ إلَى رَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ وَتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِهِمْ بِحَسَنَاتِهِمْ فَجَازَ فِيهَا تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ، لِأَنَّ شَرْطَ الْقَبُولِ الِاتِّصَالُ بِالْإِيجَابِ فَإِنْ تَأَخَّرَ تَأَخُّرًا يُشْعِرُ بِالْإِضْرَابِ عَنْ الْقَبُولِ بَطَلَ سُلْطَانُ الْقَبُولِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ مُوجِبٌ لِسُلْطَانِ الْقَبُولِ لِلْقَابِلِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يُعَدُّ فِيهَا مُجِيبًا لِلْمُوجِبِ غَيْرَ مُضْرِبٍ عَنْ جَوَابِهِ، وَهَذَا مُعْتَبَرٌ بِاتِّصَالِ الْكَلَامِ حَتَّى لَوْ فَرَّقَ الْفَاتِحَةَ تَفْرِيقًا يُعَدُّ بِهِ مُضْرِبًا عَنْ الْقِرَاءَةِ انْقَطَعَ وَلَاءُ الْفَاتِحَةِ وَكَذَلِكَ اتِّصَالُ الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ بِكَلَامِ الْمُسْتَثْنِي وَالشَّارِطِ، وَإِذَا جَوَّزْنَا الْمُعَامَلَةَ بِالْكِتَابَةِ جَازَ أَنْ يَتَرَاخَى الْقَبُولُ بَعْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ بِزَمَانٍ لَا يُعَدُّ بِالتَّأْخِيرِ فِي مِثْلِهِ مُضْرِبًا عَنْ الْإِيجَابِ.

وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ تَحْصِيلًا لِمَقَاصِدِهَا وَكَذَلِكَ جَازَ فِيهَا أَيْضًا أَنْ يَتَرَاخَى الْقَبُولُ عَنْ بُلُوغِ الْخَبَرِ.

وَكَذَلِكَ جَازَ فِيهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا لَا يَمْلِكُ حَالَ الْوَصِيَّةِ، وَجَازَ فِيهَا أَيْضًا الْوَقْفُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرَى وَقْفَ الْعُقُودِ، وَمِمَّا تَخْتَصُّ بِهِ الْوَصِيَّةُ أَنَّ إيجَابَهَا لَا يَبْطُلُ بِمُوجِبِهَا فَإِنَّهُ لَوْ بَطَلَ لَفَاتَ جَمِيعُ مَقَاصِدِهَا.

(فَائِدَةٌ) إذَا مَاتَ الْمُوجِبُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بَطَلَ إيجَابُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ إذْ لَا يَتِمَّ مَقْصُودُهَا إلَّا كَذَلِكَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُقُودِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُوجِبِ أَوْ جُنَّ بَطَلَ إيجَابُهُ إلَّا فِي الْوَصَايَا فَإِنَّهَا لَمْ تَبْطُلْ بِالْمَوْتِ، فَالْأَوْلَى أَنْ تَبْطُلَ بِمَا دُونَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْ ذَلِكَ جَوَازُ التَّصَرُّفَاتِ وَلُزُومُهَا، وَالتَّصَرُّفَاتُ أَنْوَاعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>