وَمِنْهَا: الْبَيْتُوتَةُ عِنْدَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» تَجَوُّزٌ بِالْمَبِيتِ عَنْ التَّقَرُّبِ، وَبِالْإِطْعَامِ وَالسَّقْيِ عَنْ التَّقْوِيَةِ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ السُّرُورِ وَالتَّقْرِيبِ، وَمِنْهَا الْقُرْبُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِتَقْرِيبِ الْإِلَهِ، وَمِنْهَا الْبُعْدُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْإِبْعَادِ، وَمِنْهَا الْمُجَالَسَةُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ لَذَّةٍ يَخْلُقُهَا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُجَانِسَةٍ لِلَذَّةِ الْأُنْسِ وَبِمُجَالَسَةِ الْأَكَابِرِ.
وَأَمَّا الرَّقْصُ وَالتَّصْفِيقُ فَخِفَّةٌ وَرُعُونَةٌ مُشْبِهَةٌ لِرُعُونَةِ الْإِنَاثِ لَا يَفْعَلُهَا إلَّا رَاعِنٌ أَوْ مُتَصَنِّعٌ كَذَّابٌ وَكَيْفَ يَتَأَتَّى الرَّقْصُ الْمُتَّزِنُ بِأَوْزَانِ الْغِنَاءِ مِمَّنْ طَاشَ لُبُّهُ وَذَهَبَ قَلْبُهُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا اسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ عَلَى قَوْمٍ يَظُنُّونَ أَنَّ طَرَبَهُمْ عِنْدَ السَّمَاعِ إنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ مَانُوا فِيمَا قَالُوا وَكَذَبُوا فِيمَا ادَّعَوْا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ الْمُطْرِبَاتِ وَجَدُوا لَذَّتَيْنِ اثْنَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا لَذَّةُ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذِي الْجَلَالِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَذَّةُ الْأَصْوَاتِ وَالنَّغَمَاتِ وَالْكَلِمَاتِ الْمَوْزُونَاتِ الْمُوجِبَاتِ لِلذَّاتِ النَّفْسِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ الدِّينِ وَلَا مُتَعَلِّقَةً بِأُمُورِ الدِّينِ، فَلَمَّا عَظُمَتْ عِنْدَهُمْ اللَّذَّتَانِ غَلِطُوا فَظَنُّوا أَنَّ مَجْمُوعَ اللَّذَّةِ إنَّمَا حَصَلَ بِالْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِمْ حُصُولُ لَذَّاتِ النُّفُوسِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ الدِّينِ بِشَيْءٍ.
وَقَدْ حَرَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّصْفِيقَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» «وَلَعَنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ» ، وَمَنْ هَابَ الْإِلَهَ وَأَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ تَعْظِيمِهِ لَمْ يُتَصَوَّرَ مِنْهُ رَقْصٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute