للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَامَّةِ إنَّمَا هُوَ الْأَهْوَاءُ الْفَاسِدَةُ، فَرُبَّمَا هَاجَهُ السَّمَاعُ عَلَى صُورَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا وَيَمِيلُ إلَيْهَا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّا لَا نَتَحَقَّقُ السَّبَبَ الْمُحَرِّمَ، وَقَدْ يَحْضُرُ السَّمَاعَ قَوْمٌ مِنْ الْفَجَرَةِ فَيَبْكُونَ وَيَنْزَعِجُونَ لِأَسْبَابٍ خَبِيثَةٍ انْطَوَوْا عَلَيْهَا وَيُرَاءُونَ الْحَاضِرِينَ بِأَنَّ سَمَاعَهُمْ لِلْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْمَعْصِيَةِ وَبَيْنَ إيهَامِ كَوْنِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَقَدْ يَحْضُرُ السَّمَاعَ قَوْمٌ قَدْ فَقَدُوا أَهَالِيَهُمْ وَمَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِمْ وَيَذْكُرُ الْمُنْشِدُ فِرَاقَ الْأَحِبَّةِ وَعَدَمَ الْأُنْسِ بِهِمْ فَيَبْكِي أَحَدُهُمْ وَيُوهِمُ الْحَاضِرِينَ أَنَّ بُكَاءَهُ لِأَجْلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا مِرَاءٌ بِأَمْرٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَدَبِ السَّمَاعِ أَنْ يُشَبِّهَ غَلَبَ الْمَحَبَّةِ بِالسُّكْرِ مِنْ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ، لِأَنَّ الْخَمْرَ أُمُّ الْخَبَائِثِ فَلَا يُشَبِّهُ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ بِمَا أَبْغَضَهُ وَقَضَى بِخُبْثِهِ وَنَجَاسَتِهِ، لِأَنَّ تَشْبِيهَ النَّفِيسِ بِالْخَسِيسِ سُوءُ أَدَبٍ لَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ التَّشْبِيهُ بِالْخَصْرِ وَالرِّدْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ التَّشْبِيهَاتِ الْمُسْتَقْبَحَاتِ.

وَلَقَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ: أَنْتُمْ رُوحِي وَمَعَكُمْ رَاحَتِي، وَبَعْضُهُمْ: فَأَنْتَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ، لِأَنَّهُ شَبَّهَ مَا لَا شَبِيهَ لَهُ بِرُوحِهِ الْخَسِيسَةِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ اللَّذَيْنِ لَا قَدْرَ لَهُمَا.

وَلَهُمْ أَلْفَاظٌ يُطْلِقُونَهَا يَسْتَعْظِمُهَا سَامِعُهَا مِنْهَا: التَّجَلِّي وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ، وَكَذَلِكَ الْمُشَاهَدَةُ، وَمِنْهَا الذَّوْقُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وِجْدَانِ لَذَّةِ الْأَحْوَالِ وَوَقْعِ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، وَمِنْهَا: الْحِجَابُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَهْلِ وَالْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ، وَمِنْهَا: قَوْلُهُمْ قَالَ لِي رَبِّي، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَوْلِ بِلِسَانِ الْحَالِ دُونَ لِسَانِ الْمَقَالِ.

كَمَا قَالَتْ الْعَرَبُ: امْتَلَأَ الْحَوْضُ، وَقَالَ قُطْنِيٌّ، كَذَلِكَ قَوْلُهُ: إذَا قَالَتْ الْإِشْبَاعُ لِلْبَطْنِ أُلْحِقَ. وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ الْقَلْبُ بَيْتُ الرَّبِّ، وَمَعْنَاهُ الْقَلْبُ بَيْتُ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ، شَبَّهُوا حُلُولَ الْمَعَارِفِ بِالْقُلُوبِ بِحُلُولِ الْأَشْخَاصِ فِي الْبُيُوتِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>