للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّتْبَةُ الرَّابِعَةُ تُهْمَةُ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُوجِبُ الرَّدَّ إذْ كَانَ الْحَاكِمُ ظَاهِرَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ.

الرُّتْبَةُ الْخَامِسَةُ تُهْمَةُ الْحَاكِمِ فِي إقْرَارِهِ بِالْحُكْمِ، وَهِيَ مُوجِبَةٌ لِلرَّدِّ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، غَيْرُ مُوجِبَةٍ لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ، وَالْحَاكِمُ مَالِكٌ لِإِنْشَاءِ الْحُكْمِ، فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُتَّجَهٌ إذَا مَنَعْنَا الْحُكْمَ بِالْعِلْمِ.

الرُّتْبَةُ السَّادِسَةُ تُهْمَةُ حُكْمِ الْحَاكِمِ مَانِعَةٌ مِنْ نُفُوذِ حُكْمِهِ؛ لِأَوْلَادِهِ وَأَحْفَادِهِ وَعَلَى أَعْدَائِهِ وَأَضْدَادِهِ، فَإِنْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَفَوَّضَ الْحُكْمَ إلَى غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ هَاهُنَا، وَإِنْ جَوَّزْنَا الْحُكْمَ بِالْعِلْمِ.

وَإِنْ حَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ فَوَجْهَانِ، وَإِنَّمَا رُدَّتْ الشَّهَادَةُ بِالتُّهَمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُضْعِفَةٌ لِلظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الشَّهَادَةِ، مُوجِبَةٌ لِانْحِطَاطِهِ عَنْ الظَّنِّ الَّذِي لَا يُعَارِضُهُ تُهْمَةٌ، وَلِأَنَّ دَاعِيَ الطَّبْعِ أَقْوَى مِنْ دَاعِي الشَّرْعِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رَدُّ شَهَادَةِ أَعْدِلْ النَّاسِ لِنَفْسِهِ وَرَدُّ حُكْمِ أَقْسَطِ النَّاسِ لِنَفْسِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ رَجَعْتُمْ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ إلَى عِلْمِ الْحَاكِمِ؟ قُلْنَا: لَوْ لَمْ نَرْجِعْ إلَيْهِ فِي التَّفْسِيقِ لَنَفَّذْنَا حُكْمَهُ بِشَهَادَةِ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلشَّهَادَةِ، وَإِقْرَارُهُ بِفِسْقِ الشَّاهِدِ يَقْتَضِي إبْطَالَ كُلِّ حُكْمٍ يَنْبَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ.

وَأَمَّا التَّعْدِيلُ فَإِنَّهُ مُسْنَدٌ فِي أَصْلِهِ إلَى عِلْمِهِ، فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ التَّزْكِيَةُ إلَّا مِمَّنْ عُرِفَ بِالْعَدَالَةِ، وَكَذَلِكَ تَزْكِيَةُ الْمُزَكِّي وَمُزَكِّي الْمُزَكِّي إلَى أَنْ يَسْتَنِدَ ذَلِكَ إلَى عِلْمِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ حَرَّمْتُمْ عَلَى الْحَاكِمِ أَلَّا يَحْكُمَ بِخِلَافِ عِلْمِهِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِخِلَافِ عِلْمِهِ لَكَانَ قَاطِعًا بِبُطْلَانِ حُكْمِهِ، وَالْحُكْمُ عَلَى الْبَاطِلِ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ، فَإِنَّهُ إذَا رَأَى رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا فَادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>