للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِثَالُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: التَّقْرِيرُ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ مَفْسَدَةٌ إلَّا فِي تَقْرِيرِ الْكُفَّارِ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا أَسْلَمُوا، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ، لِأَنَّا لَوْ أَفْسَدْنَاهَا لَزَهِدَ الْكُفَّارُ فِي الْإِسْلَامِ خَوْفًا مِنْ بُطْلَانِ أَنْكِحَتِهِمْ فَتَقَاعَدُوا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَالتَّرْغِيبُ فِي الْإِسْلَامِ بِتَقْرِيرِهِمْ عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ أَوْلَى مِنْ التَّنْفِيرِ مِنْ الْإِسْلَامِ بِإِفْسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ، إذْ لَا مَفْسَدَةَ أَقْبَحُ مِنْ تَفْوِيتِ الْإِسْلَامِ وَالسَّعْيِ فِي تَفْوِيتِهِ.

وَكَذَلِكَ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُمْ بِمَنْ قَتَلُوهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَغْرَمُونَ مَا أَتْلَفُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُمْ ذَلِكَ لَتَقَاعَدُوا عَنْ الْإِسْلَامِ.

الْمِثَالُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: التَّقْرِيرُ عَلَى الْكُفْرِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ وَفِي تَقْرِيرِ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُقَرَّرُ لِوُجُوبِ إزَالَةِ الْمَفَاسِدِ عَلَى الْفَوْرِ وَالْكُفْرُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ.

وَالثَّانِي: يُقَرَّرُ نَظَرًا لَهُ كَمَا تَجُوزُ مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى التَّقْرِيرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَقْرِيرِ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ وَأَنْكَرِ الْمُنْكَرَاتِ. فَإِنْ خِيفَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ جَازَ التَّقْرِيرُ بِالصُّلْحِ عَشْرَ سِنِينَ رِعَايَةً لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَوَقُّعًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لِإِسْلَامِ بَعْضِ الْكَافِرِينَ. وَقَدْ صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ فَدَخَلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْكُفْرَ أَنْكَرُ الْمُنْكَرَاتِ، فَلَا يَجُوزُ التَّقْرِيرُ عَلَيْهِ إلَّا بِقَدْرِ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ.

وَكَذَلِكَ لَا تُخَلَّى كُلُّ سَنَةٍ مِنْ غَزْوَةٍ، وَوَاجِبُ الْإِمَامِ الْقِتَالُ عَلَى الدَّوَامِ، وَالِاسْتِمْرَارُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ إزَالَةَ الْمَفَاسِدِ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، فَمَا الظَّنُّ بِإِزَالَةِ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ وَهُوَ الْكُفْرُ بِالْمَلِكِ الدَّيَّانِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَرَرْتُمْ الْكَوَافِرَ عَلَى كُفْرِهِنَّ عَلَى الدَّوَامِ؟ قُلْنَا لِأَنَّهُنَّ قَدْ صِرْنَ مَالًا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ قُرْبِ رُجُوعِهِنَّ إلَى الْإِسْلَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>