وَإِنَّمَا أُثِيبُوا عَلَى الظَّمَأِ وَالنَّصَبِ وَلَيْسَا مِنْ فِعْلِهِمْ، لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا إلَيْهِمَا بِسَفَرِهِمْ وَسَعْيِهِمْ. وَعَلَى الْحَقِيقَةِ فَالتَّأَهُّبُ لِلْجِهَادِ بِالسَّفَرِ إلَيْهِ، وَإِعْدَادِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالْخَيْلِ، وَسِيلَةٌ إلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى إعْزَازِ الدِّينِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْجِهَادِ، فَالْمَقْصُودُ مَا شُرِعَ الْجِهَادُ لِأَجْلِهِ، وَالْجِهَادُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ، وَأَسْبَابُ الْجِهَادِ كُلُّهَا وَسَائِلُ إلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى مَقَاصِدِهِ، فَالِاسْتِعْدَادُ لَهُ مِنْ بَابِ وَسَائِلِ الْوَسَائِلِ. وَيَدُلُّ عَلَى فَضْلِ التَّوَسُّلِ إلَى الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ رَاحَ إلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فُرُوضِ اللَّهِ، كَانَتْ خُطُوَاتُهُ إحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً» .
وَتَتَفَاوَتُ الْحَسَنَاتُ الْمَكْتُوبَةُ وَالسَّيِّئَاتُ الْمَحْطُوطَةُ، بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَمْشِي إلَيْهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي التَّنْزِيلِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] .
وَتَتَفَاوَتُ رُتَبُ تِلْكَ الْأَعْشَارِ بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الْحَسَنَاتِ فِي أَنْفُسِهَا، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِتَمْرَةٍ فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِبُدْرَةٍ فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، لَا نِسْبَةَ لِشَرَفِ حَسَنَاتِ التَّمْرَةِ إلَيْهَا.
وَكَذَلِكَ الْوِلَايَاتُ تَخْتَلِفُ رُتَبُهَا بِاخْتِلَافِ مَا تَجْلِبُهُ مِنْ الْمَصَالِحِ وَتَدْرَؤُهُ مِنْ الْمَفَاسِدِ، فَالْوِلَايَةُ الْعُظْمَى أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ وِلَايَةٍ، لِعُمُومِ جَلْبِهَا الْمَنَافِعَ، وَدَرْئِهَا الْمَفَاسِدَ، وَتَلِيهَا وِلَايَةُ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ سَائِرِ الْوِلَايَاتِ، وَالْوِلَايَةُ عَلَى الْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى الْحَجِّ، لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجِهَادِ أَكْمَلُ مِنْ فَضِيلَةِ الْحَجِّ، وَتَخْتَلِفُ رُتَبُ الْوِلَايَاتِ بِخُصُوصِ مَنَافِعِهَا وَعُمُومِهَا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، وَلَا شَكَّ بِأَنَّ الْوَسَائِلَ تَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَقَاصِدِ فَمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَاتُ وَالْجَمَاعَاتُ أَوْ الْغَزَوَاتُ سَقَطَ عَنْهُ السَّعْيُ إلَيْهَا، لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوُجُوبَ مِنْ وُجُوبِهِنَّ.
وَكَذَلِكَ تَسْقُطُ وَسَائِلُ الْمَنْدُوبَاتِ بِسُقُوطِهِنَّ لِأَنَّهَا اسْتَفَادَتْ النَّدْبَ مِنْهُنَّ، فَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ مَكْتُوبَتَيْنِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُمَا، فَيَقْضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute