مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَأْمُرَ بِقِتَالِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَأْخُذَ أَمْوَالَهُمْ أَوْ يَتَمَكَّسَهُمْ أَوْ يَتَضَمَّنَ الْبَغَايَا وَالْخُمُورَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُغْضِبَاتِ لِرَبِّ الْأَرْضِينَ وَالسَّمَوَاتِ. وَإِذَا أَمَرَ الْعَادِلُ بِإِبْطَالِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الْجَائِرُ أُثِيبَ عَلَى رِدْءِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الْجَائِرُ أُثِيبَ عَلَى دَرْءِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ الْمَذْكُورَاتِ، عَلَى حَسَبِ قِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا وَعُمُومِهَا وَشُمُولِهَا، فَيَا لَهُ مِنْ سَعْيٍ رَاجِحٍ وَإِنْجَازٍ رَابِحٍ. وَقَدْ قَالَ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ: «الْمُقْسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَلَى يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ» وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالْعَادِلُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ جَمِيعِ الْأَنَامِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ بِجَلْبِ كُلِّ صَالِحٍ كَامِلٍ، وَدَرْءِ كُلِّ فَاسِدٍ شَامِلٍ فَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِجَلْبِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ الْعَامَّةِ، كَانَ لَهُ أَجْرٌ بِحَسَبِ مَا دَعَا إلَيْهِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَزَجَرَ عَنْهُ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَأُجِرَ عَلَيْهَا بِعَدَدِ مُتَعَلِّقَاتِهَا كَمَا ذَكَرْنَا.
وَكَذَلِكَ أَجْرُ أَعْوَانِهِ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، فَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِالْجِهَادِ كَانَ مُتَسَبِّبًا إلَى تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِ بِأَمْرِهِ الْأَجْنَادَ بِمُبَاشَرَةِ الْقِتَالِ، وَلِمُبَاشَرَةِ الْقِتَالِ أَجْرُ الْإِمَامِ مُتَوَسِّلٌ إلَى مَصَالِحِ الْجِهَادِ، وَالْمُقَاتِلُ مُبَاشِرٌ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ أَجْرَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ أَجْرِ الْوَاحِدِ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ، فَإِذَا كَانُوا أَلْفًا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَجْرُ مُبَاشَرَتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا بَاشَرَ، وَلِلْإِمَامِ أَجْرُ تَسَبُّبِهِ إلَى قِتَالِ الْأَلْفِ، فَقَدْ صَدَرَ مِنْهُ أَلْفُ تَسَبُّبٍ، وَأَلْفُ تَسَبُّبٍ أَفْضَلُ مِنْ مُبَاشَرَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ بِتِلْكَ التَّسْمِيَاتِ حَصَلَتْ مَصَالِحُ الْقِتَالِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ أَمَرَ وَاحِدًا بِالْقِتَالِ فَقَاتَلَ وَحَصَّلَ الْمَصْلَحَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُبَاشِرَ أَفْضَلُ مِنْ الْآخَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute