بَعْضٍ، لِتَعْرِيفِ الْعِبَادِ عِنْدَ وُجُودِ الْأَسْبَابِ مَا رُتِّبَ عَلَيْهَا مِنْ خَيْرٍ فَيَطْلُبُوهُ عِنْدَ وُقُوعِهَا وَوُجُودِهَا، وَمَا رُتِّبَ عَلَيْهَا مِنْ شَرٍّ فَيَجْتَنِبُوهُ عِنْدَ قِيَامِهَا وَتَحَقُّقِهَا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الْعَادَةِ، وَكَثِيرٌ مَنْ يَنْفَكُّ عَنْ ذَلِكَ، فَكَمْ مِنْ مُرَغَّبٍ لَمْ يَرْغَبْ، وَكَمْ مِنْ مُرَهَّبٍ لَمْ يُرْهَبْ، وَكَمْ مِنْ مَزْجُورٍ لَمْ يَزْدَجِرْ، وَكَمْ مِنْ مُذَكَّرٍ لَمْ يَتَذَكَّرْ، وَكَمْ مِنْ مَأْمُورٍ بِالصَّبْرِ لَمْ يَصْطَبِرْ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَقَطَعَ كُلَّ مُسَبَّبٍ عَنْ سَبَبِهِ، وَخَلَقَ الْمُسَبَّبَاتِ كُلَّهَا مُجَرَّدَةً عَنْ الْأَسْبَابِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَاءَ لَخَلَقَ الْأَسْبَابَ كُلَّهَا مُجَرَّدَةً عَنْ الْمُسَبَّبَاتِ، لَكِنَّهُ قَرَنَ الْأَسْبَابَ بِالْمُسَبَّبَاتِ فِي مُطَّرِدِ الْعَادَاتِ، لِيُضِلَّ بِذَلِكَ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ شَاءَ لَأَقَامَ الْأَجْسَادَ بِدُونِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَمَا تَحَلَّلَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الْخَلَفِ وَالْإِبْدَالِ. فَلَهُ أَنْ يَخْلُقَ أَلَمَ النَّارِ بِغَيْرِ نَارٍ وَلَذَّةَ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ وَالْجِمَاعِ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا جِمَاعٍ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْأَسْبَابِ الْمُؤْلِمَاتِ، وَاللَّذَّاتِ لَوْ شَاءَ لَخَلَقَهَا دُونَ مُسَبِّبَاتِهَا، وَلَوْ شَاءَ لَخَلَقَ مُسَبَّبَاتِهَا دُونَهَا وَكَذَلِكَ الْقُوَى الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ لَوْ شَاءَ لَخَلَقَ آثَارَهَا ابْتِدَاءً كَجَذْبِ الْغِذَاءِ بِغَيْرِ قُوَّةٍ جَاذِبَةٍ، وَأَمْسَكَ الْغِذَاءَ فِي حَالِ إمْسَاكِهِ بِغَيْرِ قُوَّةٍ مُمْسِكَةٍ، وَغَذَّى بِغَيْرِ، قُوَّةٍ مُغَذِّيَةٍ، وَدَفَعَ بِغَيْرِ قُوَّةٍ دَافِعَةٍ، وَصَوَّرَ بِغَيْرِ قُوَّةٍ مُصَوِّرَةٍ، وَلَمَّا رَأَى الْأَغْبِيَاءُ الْعُمْيُ عَنْ الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ رَبْطَ الْمُسَبَّبَاتِ مِنْ غَيْرِ انْفِكَاكٍ فِي مُطَّرِدِ الْعَادَاتِ، اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ صَادِرَةٌ عَنْ الْأَسْبَابِ، وَأَنَّ الْأَسْبَابَ أَفَادَتْهَا الْوُجُودَ؛ فَاقْتَطَعُوا ذَلِكَ عَنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ وَمُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ، وَأَضَافُوهُ إلَى تِلْكَ الْأَسْبَابِ:
وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى أَبْرَزَتْ حُسْنَ وَجْهِهَا ... لَهَامَ بِهَا اللُّوَّامُ مِثْلَ هُيَامِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute