للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَاءِ وَغَلَاءِ ثَمَنِهِ وَارْتِفَاعِ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَهُ إذَا حَضَرُوا بِقِيمَتِهِ فِي مَحَلِّ عِزَّتِهِ كَيْ لَا تَضِيعَ عَلَى مَالِكِهِ قِيمَتُهُ وَمَالِيَّتُهُ، وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهُ.

الْمِثَالِ الثَّانِي: جَبْرُ لَبَنِ الْمُصْرَاةِ بِالتَّمْرِ فَإِنَّهُ مِثْلِيٌّ خَارِجٌ عَنْ جَبْرِ الْأَعْيَانِ بِالْقِيَمِ وَالْأَمْثَالِ، وَإِنَّمَا نَحْكُمُ بِذَلِكَ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا اخْتَلَطَ مِنْ لَبَنِ الْبَائِعِ بِلَبَنِ الْمُشْتَرِي فَتَوَلَّى الشَّرْعُ تَقْدِيرَهُ، إذْ لَا سَبِيلَ لَنَا إلَى تَقْدِيرِهِ، وَجَعَلَهُ بِالتَّمْرِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلَّبَنِ فِي الِاقْتِيَاتِ وَلِعِزَّةِ التَّقْدِيرِ عِنْدَ الْعَرَبِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ جَبَرَ الْمَالَ الْمَقْطُوعَ بِحِلِّهِ بِمِثْلِهِ مِنْ مَالٍ أَكْثَرُهُ حَرَامٌ فَقَدْ فَاتَ وَصْفٌ مَقْصُودٌ فِي الشَّرْعِ وَعِنْدَ أُولِي الْأَلْبَابِ، فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَى أَخْذِهِ مَعَ التَّفَاوُتِ الظَّاهِرِ بَيْنَ الْحَلَالِ الْمَحْضِ وَبَيْنَ مَا تَمَكَّنَتْ بِشُبْهَةِ الْحَرَامِ؟ قُلْنَا: فِي هَذَا نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ وَظَاهِرُ حُكْمِهِمْ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ كَمَا يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى أَخْذِ مَالٍ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ حَرَامٌ، وَفِي هَذَا أَيْضًا بُعْدٌ وَإِشْكَالٌ.

الْحَالُ الثَّانِيَةُ: مِنْ تَعَذُّرِ رَدِّ الْأَعْيَانِ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ فَيُجْبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يُمَاثِلُهُ فِي الْقِيمَةِ وَالْمَالِيَّةِ لِتَعَذُّرِ جَبْرِهِ بِمَا يُمَاثِلُهُ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ، فَإِنْ أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ لَيْسَ فِي يَدِهِ بِأَنْ أَحْرَقَ دَارًا لَيْسَتْ فِي يَدِهِ، أَوْ قَتَلَ عَبْدًا فِي يَدِ سَيِّدِهِ، أَوْ أَتْلَفَ دَابَّةً فِي يَدِ رَاكِبِهَا فَإِنَّهُ يُجْبِرُ ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ وَقْتَ إتْلَافِهِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فَوَّتَهَا.

وَإِنْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ تَحْتَ يَدِهِ الضَّامِنَةِ بِتَفْدِيَتِهِ أَوْ بِتَفْوِيتِهِ أَوْ بِتَفْوِيتِ غَيْرِهِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقِيمَتِهِ أَكْبَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ وَضَعَ يَدَهُ إلَى حِينِ الْفَوَاتِ تَحْتَ يَدِهِ، لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِرَدِّهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَقْصَى قِيمَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُجْبِرُ كُلَّ شَيْءٍ بِمِثْلِهِ مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَوْصَافُهُ، وَهَذَا إنْ شَرَطَ التَّسَاوِيَ فِي الْمَالِيَّةِ فَقَرِيبٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَقَدْ أُبْعِدَ عَنْ الْحَقِّ وَنَأَى عَنْ الصَّوَابِ، فَإِنَّ جَبْرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ظُلْمٌ لِغَاصِبِهِ، وَجَبْرَهُ بِدُونِ قِيمَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>