للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْءٌ مِنْ الْأَغْرَاضِ وَلَا يَصِحَّ وَمَا جَازَتْ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ لِعُذْرٍ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ جَبْرًا لَا زَجْرًا عِنْدَ مَنْ جَعَلَ الْكَفَّارَةَ زَوَاجِرَ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهَا زَوَاجِرَ جَعَلَهَا جَوَابِرَ لِمَا نَقَصَ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَمَهْمَا جَازَ الْإِقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ وَجَبَ كَأَكْلِ الْمُحْرِمِ الْمُضْطَرِّ الصَّيْدَ فَلَيْسَتْ كَفَّارَةً زَاجِرَةً بَلْ هِيَ جَابِرَةٌ لَا غَيْرُ، إذْ لَا زَجْرَ عَمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ أَذِنَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الزَّجْرُ عَنْ الْمَفَاسِدِ الْمُحَقَّقَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ زُجِرَ الْحَنَفِيُّ بِالْحَدِّ عَنْ شُرْبِ النَّبِيذِ مَعَ إبَاحَتِهِ؟ قُلْنَا: لَيْسَ بِمُبَاحٍ وَإِنَّمَا يُخْطِئُ فِي شُرْبِهِ، وَقَدْ عَفَا الشَّرْعُ عَنْ الْمَفَاسِدِ الْوَاقِعَةِ مِنْ الْمُخْطِئِينَ الْجَاهِلِينَ دُونَ الْعَامِدِينَ الْعَارِفِينَ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا قُلْنَا بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَهَلَّا كَانَ شُرْبُ الْحَنَفِيِّ مُبَاحًا؟ قُلْنَا: مَنْ صَوَّبَ الْمُجْتَهِدِينَ شَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ يَنْقُضُ الْحُكْمَ الْمُسْتَنِدَ بِهِ إلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا مَفَاسِدُ الْجَرَائِمِ الَّتِي شُرِعَتْ عَنْهَا الزَّوَاجِرُ؟ قُلْنَا: أَمَّا الْقِصَاصُ فِي الْأَرْوَاحِ فَزَاجِرٌ عَنْ إزْهَاقِ النُّفُوسِ وَقَطْعِ الْحَيَاةِ وَهِيَ مِنْ أَعْلَى الْمَفَاسِدِ.

وَأَمَّا الْقِصَاصُ فِي الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا فَزَاجِرٌ عَنْ تَفْوِيتِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَعْضَاءِ فِي الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْأَغْرَاضِ الَّتِي خُلِقَتْ هَذِهِ الْمَنَافِعُ وَالْأَطْرَافُ لِأَجْلِهَا، وَالْقِصَاصُ مُشْتَمِلٌ عَلَى حَقٍّ لِلَّهِ وَحَقٍّ لِلْعَبْدِ، وَلِذَلِكَ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ، وَلَا يُؤْخَذُ فِيهِ عُضْوٌ خَسِيسٌ بِعُضْوٍ نَفِيسٍ، وَإِنْ أَذِنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَغَلَبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَسَقَطَ بِإِسْقَاطِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَمِنْ وَرَثَتِهِ اسْتِيفَاؤُهُ فَلَا يُؤَدِّي تَفْوِيضُهُ إلَيْهِمْ إلَى تَحَقُّقِ الْمَفَاسِدِ لِأَنَّهَا تَنْدَفِعُ بِتَشَفِّيهِمْ فِي الْغَالِبِ.

وَأَمَّا حَدُّ الزِّنَا فَزَاجِرٌ عَنْ مَفَاسِدِ الزِّنَا وَعَنْ مَفَاسِدِ مَا فِيهِ، مِنْ مَفَاسِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>