للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُقْصَانٍ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ الْأَوْصَافِ فَاعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا كَمَالٌ فَأَثْبَتَهَا لَهُ، وَاعْتَقَدَ آخَرُونَ أَنَّهَا نُقْصَانٌ فَنَفَوْهَا عَنْهُ، وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا: قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ إنَّ الْإِنْسَانَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِهِ لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ خَلَقَهَا ثُمَّ سَبَّهُ عَلَيْهَا وَلَامَهُ لَمَّا فَعَلَهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلُهَا، وَعَذَّبَهُ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجِدْهَا، لَكَانَ ظَالِمًا وَالظُّلْمُ نُقْصَانٌ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا ثُمَّ يَلُومَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ وَيَقُولَ لَهُ كَيْفَ فَعَلْتَهُ وَلِمَ فَعَلْته؟ ؟ وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ خَلَقَهَا لَمَا قَدَرَ الْإِلَهُ عَلَى خَلْقِهَا وَنَفْيُ الْقُدْرَةِ عَيْبٌ وَنُقْصَانٌ، وَلَيْسَ تَعْذِيبُ الرَّبِّ عَلَى مَا خَلَقَهُ بِظُلْمٍ بِدَلِيلِ تَعْذِيبِهِ لِلْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ وَالْأَطْفَالِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مُلْكِهِ كَيْفَ يَشَاءُ، وَالْقَوْلُ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ بَاطِلٌ، فَرَأَوْا أَنْ يَكُونَ كَمَالُهُ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَرَأَوْا تَعْذِيبَهُمْ عَلَى مَا لَمْ يَخْلُقُوهُ جَائِزًا مِنْ أَفْعَالِهِ غَيْرَ قَبِيحٍ.

الْمِثَالُ الثَّانِي: اخْتِلَافُ الْمُجَسِّمَةِ مَعَ الْمُنَزِّهَةِ لَوْ كَانَ جِسْمًا لَكَانَ حَادِثًا وَلَفَاتَهُ كَمَالُ الْأَزَلِيَّةِ.

الْمِثَالُ الثَّالِثُ: إيجَابُ الْمُعْتَزِلِيِّ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُثِيبَ الطَّائِعِينَ كَيْ لَا يَظْلِمَهُمْ وَالظُّلْمُ نُقْصَانٌ، وَقَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ لَيْسَ ذَلِكَ بِنَقْصٍ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَقٌّ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ لَكَانَ فِي قَيْدِهِ، وَالتَّقَيُّدُ بِالْأَغْيَارِ نُقْصَانٌ.

الْمِثَالُ الرَّابِعُ: قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَنَّ اللَّهَ يُرِيدُ الطَّاعَاتِ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ، لِأَنَّ إرَادَتَهَا كَمَالٌ وَيَكْرَهُ الْمَعَاصِيَ وَإِنْ وَقَعَتْ لِأَنَّ إرَادَتَهَا نُقْصَانٌ، وَقَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ لَوْ أَرَادَ مَا لَا يَقَعُ لَكَانَ ذَلِكَ نَقْصًا فِي إرَادَتِهِ لِكَلَالِهَا عَنْ النُّفُوذِ فِيمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمَعَاصِيَ مَعَ وُقُوعِهَا لَكَانَ ذَلِكَ كَلَالًا فِي كَرَاهِيَتِهِ وَذَلِكَ نُقْصَانٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>