وَعَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لِمَا يُرْجَى عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَثُوبَاتِ، وَالتَّوَكُّلُ حَاثٌّ عَلَى الْإِجْمَالِ فِي الطَّلَبِ وَالدُّعَاءِ، وَالِابْتِهَالُ زَاجِرٌ عَنْ الْوُقُوفِ مَعَ الْأَسْبَابِ، وَالْمَحَبَّةُ حَاثَّةٌ عَلَى طَاعَةٍ مِثْلِ طَاعَةِ الْهَائِبِينَ الْمُجِلِّينَ الْمُعَظِّمِينَ الْمُسْتَحْيِينَ، وَهُوَ أَكْمَلُ مِنْ طَاعَةِ الْمُحِبِّينَ، وَلَا يُمْكِنُ اكْتِسَابُ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فِي الْعَادَةِ إلَّا بِاسْتِحْضَارِ الْمَعَارِفِ الَّتِي هِيَ مَنْشَأٌ لِهَذِهِ الْأَحْوَالِ.
النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ؛ الْقُصُودُ وَالنِّيَّاتُ وَالْعُزُومُ عَلَى الطَّاعَاتِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الْأَوْقَاتِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى الطَّاعَاتِ قَبْلَ وُجُوبِهَا وَوُجُوبِ أَسْبَابِهَا، فَإِذَا حَضَرَتْ الْعِبَادَاتُ وَجَبَتْ فِيهَا الْقُصُودُ إلَى اكْتِسَابِهَا وَالنِّيَّةُ بِالتَّقَرُّبِ بِهَا إلَى رَبِّ السَّمَوَاتِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالنِّيَّاتِ وَالْإِخْلَاصَ يَنْقَسِمُ إلَى حَقِيقِيٍّ وَحُكْمِيٍّ، فَالْإِيمَانُ الْحُكْمِيُّ شَرْطٌ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَالنِّيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ مَشْرُوطَةٌ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَاتِ دُونَ اسْتِمْرَارِهَا، وَالْحُكْمِيَّةُ كَافِيَةٌ فِي اسْتِمْرَارِهَا، وَكَذَلِكَ إخْلَاصُ الْعِبَادَةِ شَرْطٌ فِي أَوَّلِهَا، وَالْحُكْمِيُّ كَافٍ فِي دَوَامِهَا، وَلَوْ وَجَبَ الْإِيمَانُ الْحَقِيقِيُّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَالنِّيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ فِي اسْتِمْرَارِ الْعِبَادَاتِ لَحَصَلَتْ الْمَشَقَّةُ فِي اسْتِحْضَارِ الْإِيمَانِ وَالنِّيَّاتِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْإِيمَانَ الْحَقِيقِيَّ فِي ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ اسْتِحْضَارَ النِّيَّةِ شَاقٌّ عَسِيرٌ وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْقُرْبَةِ تَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ، وَالْإِيمَانُ لَا يَتَضَمَّنُ نِيَّةَ الْقُرُبَاتِ، وَالْغَرَضُ مِنْ النِّيَّاتِ تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ، أَوْ تَمْيِيزُ رُتَبِ الْعِبَادَاتِ أَثْنَاءَ تَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا: الْغُسْلُ فَإِنَّهُ مُرَدَّدٌ بَيْنَ مَا يُفْعَلُ قُرْبَةً إلَى اللَّهِ كَالْغُسْلِ عَنْ الْأَحْدَاثِ، وَغَيْرِهَا يُفْعَلُ لِأَغْرَاضِ الْعِبَادِ مِنْ التَّبَرُّدِ وَالتَّنْظِيفِ وَالِاسْتِحْمَامِ وَالْمُدَاوَاةِ وَإِزَالَاتِ الْأَوْضَارِ وَالْأَقْذَارِ، فَلَمَّا تَرَدَّدَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ وَجَبَ تَمْيِيزُ مَا يُفْعَلُ لِرَبِّ الْأَرْبَابِ عَمَّا يُفْعَلُ لِأَغْرَاضِ الْعِبَادِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute