فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ بُدِئَ بِغَسْلِ الْفَرْجَيْنِ فِي الْإِغْسَالِ؟ قُلْنَا: بُدِئَ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَوْ أُخِّرَا لَانْتَقَضَتْ الطَّهَارَةُ بِمَسِّهِمَا فَقُدِّمَا مُحَافَظَةً عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الِانْتِقَاضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فِي طَاعَةٍ، وَقَدْ خَرَجَ عَمَّا ذَكَرْتُهُ فِي تَقْدِيمِ الْيُمْنَى بِالشَّرَفِ، حَلْقُ الرَّأْسِ مَعَ تَسَاوِي الشَّعْرِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَوْدَيْنِ.
وَكَذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ نَادِرَةٍ كَكُحْلِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَقَصِّ إحْدَى الشَّارِبَيْنِ.
وَأَمَّا تَقْلِيمُ أَظْفَارِ الْيَدَيْنِ فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْأَفْضَلِ الْأَنْفَعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَالْإِبْهَامِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبُدَاءَةِ أَشْيَاءَ لَا أَصْلَ لَهَا، وَلَعَلَّ الْبُدَاءَةَ بِيُمْنَى الْمُتَسَاوِيَيْنِ تُفْعَلُ تَيَمُّنًا وَتَفَاؤُلًا بِالْيُمْنَى وَالْبَرَكَةِ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُحِبُّ الْفَأْلَ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ» ، لِأَنَّ التَّفَاؤُلَ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ وَالتَّطَيُّرَ سُوءُ ظَنٍّ بِاَللَّهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى، «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَيَظُنُّ بِي مَا شَاءَ» ، وَالتَّفَاؤُلُ أَنْ يَرَى أَوْ يَسْمَعَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَيْرِ فَيَرْجُوَهُ وَيَطْلُبَهُ وَذَلِكَ حُسْنُ ظَنٍّ بِاَللَّهِ، وَالطِّيَرَةُ أَنْ يَرَى أَوْ يَسْمَعَ مَا يَدُلُّ عَلَى الشَّرِّ فَيَخَافَهُ وَيَرْهَبَهُ، وَذَلِكَ سُوءُ ظَنٍّ بِاَللَّهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اسْتَحَبَّ حُسْنَ الظَّنِّ عِنْدَ الْمَوْتِ وَتَرَكَ الْخَوْفَ بِمَعْزِلٍ؟ قُلْت: لِأَنَّهُ إنَّمَا شَرَعَ الْخَوْفَ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ زَاجِرَةٌ عَنْ الْعِصْيَانِ، وَإِذَا حَضَرَ الْمَوْتُ انْقَطَعَتْ الْمَعَاصِي فَسَقَطَ الْخَوْفُ الَّذِي هُوَ رَادِعٌ عَنْهَا مَانِعٌ مِنْهَا بِخِلَافِ حُسْنِ الظَّنِّ.
وَأَمَّا الْأَنَامِلُ فَإِدْخَالُهَا فِي صِمَاخَيْ الْأُذُنَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ عَدَدِ التَّسْبِيحَاتِ وَالتَّكْبِيرَاتِ الْمَأْمُورِ بِعَدِّهَا، وَالْكِتَابَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَالْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَكُلُّ ذَلِكَ فِعْلٌ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِهَا، وَكَذَلِكَ اسْتِحْبَابُ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ لِلْمُحِلِّينَ وَتَحْرِيمُ قَلْمِهَا عَلَى الْمُحْرِمِينَ، وَتَرْكُ قَلْمِهَا فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِلْمُضَحِّينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute