أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً يَعْتَقِدُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَأَنَّهُ زَانٍ بِهَا فَإِذَا هِيَ زَوْجَتُهُ، أَوْ أَمَتُهُ أَوْ أَكَلَ مَالًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لِيَتِيمٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَوْ شَهِدَ بِالزُّورِ فِي ظَنِّهِ وَكَانَتْ شَهَادَتُهُ مُوَافِقَةً لِلْبَاطِنِ، أَوْ حَكَمَ بِبَاطِلٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ حَقٌّ، فَهَلْ يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِكَبِيرَةٍ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمَفْسَدَةُ؟ قُلْنَا أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْفَاسِقِينَ، وَتَسْقُطُ عَدَالَتُهُ لِجُرْأَتِهِ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَرِوَايَتُهُ، وَتَبْطُلُ بِذَلِكَ كُلُّ وِلَايَةٍ تُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَالَةُ، لِأَنَّ الْعَدَالَةَ إنَّمَا شُرِطَتْ فِي الشَّهَادَاتِ وَالرِّوَايَاتِ وَالْوِلَايَاتِ، لِتَحْصُلَ الثِّقَةُ بِصِدْقِهِ فِي أَخْبَارِهِ وَشَهَادَتِهِ وَبِأَدَائِهِ الْأَمَانَةَ فِي وِلَايَتِهِ، وَقَدْ انْخَرَمَتْ الثِّقَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِجَرَاءَتِهِ عَلَى رَبِّهِ بِارْتِكَابِ مَا يَعْتَقِدُهُ كَبِيرَةً، لِأَنَّ الْوَازِعَ عَنْ الْكَذِبِ فِي أَخْبَارِهِ وَشَهَادَتِهِ، وَعَنْ التَّقْصِيرِ فِي وِلَايَتِهِ إنَّمَا هُوَ خَوْفُهُ مِنْ الْجُرْأَةِ عَلَى رَبِّهِ بِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ، أَوْ بِالْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ، فَإِذَا حَصَلَتْ جُرْأَتُهُ عَلَى مَا ذَكَرَتْهُ سَقَطَتْ الثِّقَةُ، بِمَا يَزَعُهُ عَنْ الْكَذِبِ فِي خَبَرِهِ وَشَهَادَتِهِ وَالنُّصْحِ فِي وِلَايَتِهِ.
وَأَمَّا مَفَاسِدُ الْآخِرَةِ وَعَذَابُهَا فَلَا يُعَذَّبُ تَعْذِيبَ زَانٍ وَلَا قَاتِلٍ وَلَا آكِلٍ مَالًا حَرَامًا، لِأَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ مُرَتَّبٌ عَلَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ فِي الْغَالِبِ كَمَا أَنَّ ثَوَابَهَا مُرَتَّبٌ عَلَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ فِي الْغَالِبِ، وَلَا يَتَفَاوَتَانِ بِمُجَرَّدِ الطَّاعَةِ وَلَا بِمُجَرَّدِ الْمَعْصِيَةِ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ أَجْرُ التَّصَدُّقِ بِتَمْرَةٍ كَأَجْرِ التَّصَدُّقِ بِبَدْرَةٍ، وَلَكَانَتْ غِيبَةُ الْمُؤْمِنِينَ بِنِسْبَتِهِمْ إلَى الْكَبَائِرِ كَغِيبَتِهِمْ بِنِسْبَتِهِمْ إلَى الصَّغَائِرِ، وَلَكَانَ سَبُّ الْأَنْبِيَاءِ كَسَبِّ الْأَوْلِيَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا يُعَذَّبُ تَعْذِيبَ مَنْ ارْتَكَبَ صَغِيرَةً لِأَجْلِ جُرْأَتِهِ وَانْتِهَاكِهِ الْحُرْمَةَ بَلْ يُعَذَّبُ عَذَابًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ بِجُرْأَتِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُضْبَطَ الْكَبِيرَةُ بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا فِي دِينِهِ إشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَلَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى ضَابِطٍ لِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute