للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَقْذُوفَ الْحَلِفُ حِفْظًا لِجَسَدِهِ مِنْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَلَوْ نَكَلَ الْوَلِيُّ عَنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ فَإِنْ أَوْجَبْنَا بِهَا الْقِصَاصَ وَجَبَ الْيَمِينُ بِهَا وَإِلَّا فَلَا.

فَإِنْ قِيلَ: هَلْ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ مَنْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بِالْحَلِفِ، أَمْ يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ؟ قُلْنَا: بَلْ يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ، وَلَوْ أَمَرَهُ وَقَالَ لَهُ احْلِفْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدِي بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ لَا يَعْرِضُ الْيَمِينَ إلَّا عَلَى مَنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ وَتَرَجَّحَ جَانِبُهُ.

وَقَدْ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَنْ بَاعَ عَبْدًا كَانَ مِلْكَهُ إذَا خَاصَمَهُ الْمُشْتَرِي فِي قِدَمِ عَيْبٍ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ، أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ بَاعَهُ وَمَا بِهِ عَيْبٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ حُدُوثِ الْعَيْبِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي.

فَإِنْ قِيلَ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُدَّعِي مُطَالَبَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِ فِيهَا وَفُجُورِهِ؟ وَالْقَاعِدَةُ تَحْرِيمُ طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ، وَلَا سِيَّمَا هَذِهِ الْيَمِينُ الْمُوجِبَةُ لِغَضَبِ اللَّهِ، إذْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ يَمِينًا كَاذِبًا يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» .

قُلْنَا: يَجُوزُ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ ذَلِكَ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْأَيْمَانِ وَضَاعَتْ بِذَلِكَ حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لَوْ حُرِّمَ لَجَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي تَحْلِيفِ خَصْمِهِ؛ لِأَنَّهُ مُصَادِقٌ أَنَّ خَصْمَهُ كَاذِبٌ فِي إنْكَارِهِ وَيَمِينِهِ جَمِيعًا، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ؛ لِأَحَدٍ فِي طَلَبِ مَا اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَيَكُونُ هَذَا مُسْتَثْنًى،

<<  <  ج: ص:  >  >>