وَكَذَلِكَ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مُخْتَصٌّ بِهِ فَجَعَلْنَا عَلَيْهِ لِرُجْحَانِ جَانِبِهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَقَوَّيْنَا الظَّنَّ الْمُسْتَنِدَ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ بِالظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْيَمِينِ، فَإِنْ نَكَلَ زَالَ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَجَسَدِهِ وَيَدِهِ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ وَازِعٌ عَنْ النُّكُولِ الْمُوجِبِ لِحَلِفِ الْمُدَّعِي بِمَا يَضُرُّ الْإِنْسَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَجَسَدِهِ وَيَدِهِ فَرَجَّحَ بِذَلِكَ جَانِبُ الْمُدَّعِي فَعُرِضَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ لِيَحْصُلَ لَنَا الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ النُّكُولِ، وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ النُّكُولِ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ لِقُوَّتِهِ وَشِدَّةِ ظُهُورِهِ، فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ قُدِّمَتْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْهَا أَقْوَى وَأَظْهَرُ مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَحْلِيفِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أُمِرَ الْأَئِمَّةُ وَالْحُكَّامُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُسْتَحَقِّينَ وَالْمُتَخَاصَمِينَ وَقَدْ فَاوتُمْ بَيْنَهُمْ فَقَدَّمْتُمْ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: أَمَّا الْحَاكِمُ فَيُسَوِّي بَيْنَ الْخُصُومِ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِعْرَاضِ وَالنَّظَرِ وَالْمَجْلِسِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَمَلِ بِالظُّنُونِ فَيَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَ كُلِّ مُدَّعٍ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ كَالْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ، فَيُسَوِّي فِيهِ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ، وَكَذَلِكَ يُسَوِّي بَيْنَ النِّسَاءِ فِي دَرْءِ الْحُدُودِ بِاللِّعَانِ، وَكَذَلِكَ يُسَوِّي بَيْنَ الْخُصُومِ فِي تَحْلِيفِ كُلِّ مُدَّعٍ بَعْدَ النُّكُولِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَاكَلَا وَلَمْ يَحْلِفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي صَرْفِهِمَا.
وَأَمَّا الْإِمَامُ فَيَلْزَمُهُ مِثْلُ مَا لَزِمَ الْحَاكِمَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقَدِّمَ الضَّرُورَاتِ عَلَى الْحَاجَاتِ فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ.
وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ فِي تَقْدِيمِ أَضَرِّهِمْ فَأَضَرِّهِمْ وَأَمَسِّهِمْ حَاجَةً فَأَمَسِّهِمْ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ لَيْسَتْ مِنْ مَقَادِيرِ مَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ الْإِمَامُ، بَلْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ أَنْ يَدْفَعَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَدْفَعُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute