للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَعَارَضُ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ، وَتَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ الْمُفِيدَةُ لِلظُّنُونِ، فَإِنْ كَانَ التَّعَارُضُ بَيْنَ ظَاهِرَيْنِ كَشَهَادَتَيْنِ مُتَنَاقِضَتَيْنِ أَوْ خَبَرَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَجَبَ التَّوْقِيفُ؛ لِانْتِفَاءِ الظَّنِّ الَّذِي هُوَ مُسْتَنَدُ الْأَحْكَامِ، إذْ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ إلَّا بِعِلْمٍ أَوْ اعْتِقَادٍ، فَإِذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ ظَنِّيَّانِ فَإِنْ وَجَدْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا الظَّنَّ الْمُسْتَنِدَ إلَى أَنَّ أَحَدَ الدَّلِيلَيْنِ حَكَمْنَا بِهِ.

وَإِنْ وَجَدْنَا الشَّكَّ وَالتَّرَدُّدَ عَلَى سَوَاءٍ وَجَبَ التَّوَقُّفُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الظَّنُّ عِنْدَ التَّعَارُضِ بَيْنَ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْهُ عِنْدَ انْفِرَادِهِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ مُعَارِضِهِ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ.

مِثَالُ ذَلِكَ الْيَدُ: ظَاهِرَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِ ذِي الْيَدِ، وَالْبَيِّنَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ مُرَجِّحَةٌ؛ لِقُوَّةِ إفَادَتِهَا الظَّنَّ، فَإِذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ وَلَمْ نَجِدْ ظَنًّا لِتَسَاوِيهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِهِمَا، فَإِنَّ الْقَرْعَ بَيْنَهُمَا لَا يُفِيدُ رُجْحَانَ أَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ، وَإِذَا لَمْ يُرَجَّحْ أَحَدُهُمَا حَكَمْنَا بِالشَّكِّ، وَالْحُكْمُ بِالشَّكِّ غَيْرُ جَائِزٍ، وَالْقُرْعَةُ فِي الشَّرْعِ لِتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ، وَهَهُنَا لَا يُعَيَّنُ رُجْحَانُهُ، وَالشَّكُّ بَعْدَ وُجُودِهَا مِثْلُهُ قَبْلَ وُجُودِهَا، إذْ لَمْ يُفِدْ رُجْحَانًا فِي الظَّنِّ، وَلَا بَيَانًا فِيهِ، وَمَنْ قَسَمَ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ مُوجِبَ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي نِصْفِ مَا شَهِدَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَاهِدَةٌ بِالْجَمِيعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ كَاجْتِمَاعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْعَيْنَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْيَدَيْنِ مُفِيدَةٌ لِلظَّنِّ غَيْرُ مُكَذِّبَةٍ لِصَاحِبَتِهِمَا، وَالْبَيِّنَتَانِ هَهُنَا مُتَكَاذِبَتَانِ لَا يَحْصُلُ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ظَنٌّ، وَالْبَيِّنَةُ مَا فِيهِ بَيَانٌ.

فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَيَانٌ كَانَ الْحُكْمُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى خِلَافِ الشَّرْعِ، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى وَقْفِ الْبَيِّنَتَيْنِ إلَى إصْلَاحِ الْخَصْمَيْنِ فَمَا أَبْعَدَ، وَلَكِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ الْحُكْمِ إلَى اتِّفَاقِ الِاصْطِلَاحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>