للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا نَحْكُمُ بِالظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الِاسْتِصْحَابِ حَتَّى نَضُمَّ إلَيْهِ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَنَكْتَفِيَ فِي الْقِبْلَةِ بِالظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الِاجْتِهَادِ؛ لِتَعَذُّرِ ضَمِّ الِاسْتِصْحَابِ إلَيْهِ، إذْ لَيْسَ فِي الْجِهَاتِ جِهَةٌ يُقَالُ: الْأَصْلُ وُجُوبُ الْقِبْلَةِ فِيهَا.

وَكَذَلِكَ الِاجْتِهَادُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ نَكْتَفِي فِيهِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الِاجْتِهَادِ؛ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِصْحَابِ.

وَلَوْ أَثْبَتَهُ مَاءٌ وَبَوْلٌ فَلَا اجْتِهَادَ إذْ لَا نَقْنَعُ فِي هَذَا الْبَابِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَفِيهِ وَجْهٌ، وَالْفَارِقُ تَعَذُّرُ ذَلِكَ فِي الْقِبْلَةِ وَالْأَحْكَامِ، وَتَيَسُّرُهُ فِي الِاجْتِهَادِ بَيْنَ الْمَاءِ الطَّاهِرِ وَالنَّجَسِ.

وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فِي دُخُولِ رَمَضَانَ وَدُخُولِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ مُجَرَّدِ الظَّاهِرِ دُونَ أَصْلٍ يُسْتَصْحَبُ.

فَإِنْ قِيلَ: هَلْ يُبْنَى إنْكَارُ الْمُنْكِرِ عَلَى الظُّنُونِ كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ الْإِنْكَارُ مَبْنِيٌّ عَلَى الظُّنُونِ كَغَيْرِهِ، فَإِنَّا لَوْ رَأَيْنَا إنْسَانًا يَسْلُبُ ثِيَابَ إنْسَانٍ لَوَجَبَ عَلَيْنَا الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ظَاهِرِ يَدِ الْمَسْلُوبِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَيْنَاهُ يَجُرُّ امْرَأَةً إلَى مَنْزِلِهِ يَزْعُمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ وَهِيَ تُنْكِرُ ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْنَا الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ.

وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَيْنَاهُ يَقْتُلُ إنْسَانًا يَزْعُمُ أَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ دَخَلَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَهُوَ يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْنَا الْإِنْكَارُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ عِبَادَهُ حُنَفَاءَ، وَالدَّارُ دَالَّةٌ عَلَى إسْلَامِ أَهْلِهَا لِغَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا، فَإِذَا أَصَابَتْ ظُنُونُنَا فِي ذَلِكَ فَقَدْ قُمْنَا بِالْمَصَالِحِ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْقِيَامَ بِهَا وَأُجِرْنَا عَلَيْهَا إذَا قَصَدْنَا بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ - تَعَالَى -.

وَإِنْ اخْتَلَفَتْ ظُنُونُنَا أُثِبْنَا عَلَى قُصُودِنَا وَكُنَّا مَعْذُورِينَ فِي ذَلِكَ كَمَا عُذِرَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي إنْكَارِهِ عَلَى الْخَضِرِ خَرْقَ السَّفِينَةِ وَقَتْلَ الْغُلَامِ وَبَالَغَ فِي إنْكَارِهِ بِقَسَمِهِ بِاَللَّهِ فِي قَوْلَيْهِ: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [الكهف: ٧١] ، {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف: ٧٤] .

وَلَوْ اطَّلَعَ مُوسَى عَلَى مَا فِي خَرْقِ السَّفِينَةِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَعَلَى مَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>