ثُمَّ إلَى غَزْلِهِ وَنَسْجِهِ أَوْ جَزِّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْأَصْوَافِ وَالْأَوْبَارِ وَالْأَشْعَارِ، ثُمَّ إلَى غَزْلِهِ وَنَسْجِهِ.
وَكَذَلِكَ الْمَسَاكِنُ لَوْ لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا لَكَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ مَطْرُوحِينَ عَلَى الطُّرُقَاتِ مُتَعَرِّضِينَ لِلْآفَاتِ وَظُهُورِ الْعَوْرَاتِ، وَلِانْكِشَافِ أَزْوَاجِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ، وَكَذَلِكَ كُلُّ حِرْفَةٍ مِنْ الْحِرَفِ وَصَنْعَةٍ مِنْ الصَّنَائِعِ لَوْ لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ فِيهَا لَتَعَطَّلَتْ جَمِيعُ مَصَالِحِهَا الْمَبْنِيَّةِ عَلَيْهَا لِنُدْرَةِ التَّبَرُّعِ بِهَا، وَلَا سِيَّمَا الدَّلَّاكُ وَالْحَلَّاقُ وَالْحَشَّاشُ وَالْقَمَّامُ لَوْلَا اضْطِرَارُ الْفَقْرِ إلَيْهِ لَمَا بَاشَرُوهُ وَلَا أَكَبُّوا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَحْوَجَهُمْ إلَى ذَلِكَ فَلَا مَسُوءَةَ لِاضْطِرَارِهِمْ إلَيْهِ.
وَمِنْ حِكْمَتِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَنْ وَفَّرَ دَوَاعِيَ كُلِّ قَوْمٍ عَلَى الْقِيَامِ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَصَالِحِ فَزَيَّنَ لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ وَحَبَّبَهُ إلَيْهِمْ لِيَصِيرُوا بِذَلِكَ إلَى مَا قَضَى لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ.
وَلَوْ نَظَرَ النَّاظِرُونَ فِي جُلِّ هَذِهِ الْمَصَالِحِ وَدِقِّهَا، لَعَجَزُوا عَنْ شُكْرِهَا، بَلْ لَوْ عَدُّوهَا لَمَا أَحْصَوْا عَدَّهَا، وَلَا قُدِّرَ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا عِنْدَ فَقْدِهِ وَعَدَمِهِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَلَّا يُخَلِّيَنَا مِنْ فَضْلِهِ وَكَرْمِهِ، فَلَوْ فَقَدَ أَحَدُنَا بَيْتًا يَأْوِيهِ، أَوْ ثَوْبًا يُوَارِيهِ أَوْ مُدْفِئًا يُدْفِئُهُ، لَمَا أَطَاقَ الصَّبْرَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّنَا لَمَّا غَمَرَتْنَا النِّعَمُ نَسِينَاهَا.
وَكَذَلِكَ احْتَاجَ النُّظَرَاءُ إلَى النُّظَرَاءِ فِي الْمُعَامَلَاتِ عَلَى الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ، وَإِبَاحَتُهُمَا بِالْمُعَاوَضَاتِ، وَالْعَوَارِيّ وَالْإِبَاحَاتِ كَالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَالْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يُبِحْ الشَّرْعُ فِيهِ التَّمْلِيكَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ لَهَلَكَ الْعَالَمُ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِهِ نَادِرٌ.
وَمِنْ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ: مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمِنْهَا مَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ، وَمِنْهَا مَا أَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَتِهِ كَالتَّتِمَّاتِ وَالتَّكْمِلَاتِ مِنْ لُبْسِ النَّاعِمَاتِ، وَأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ، وَشُرْبِ اللَّذِيذَاتِ، وَسُكْنَى الْقُصُورِ الْعَالِيَاتِ، وَالْغُرَفِ الْمُرْتَفِعَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute